الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1614 [ ص: 142 ] ( 12 ) باب جامع عقل الأسنان

1604 - قال ، عن زيد بن أسلم ، عن مسلم بن جندب ، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ، أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل ، وفي الترقوة بجمل ، وفي الضلع بجمل .

1605 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير . وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة ، خمسة أبعرة .

قال سعيد بن المسيب : فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب وتزيد في قضاء معاوية ، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين ، فتلك الدية سواء ، وكل مجتهد مأجور .

1606 - عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : إذا أصيبت السن فاسودت ففيها عقلها تاما . فإن طرحت بعد أن تسود ففيها عقلها أيضا تاما .


37363 - هكذا هذا الحديث في " الموطأ " ، قول سعيد : فلو كنت أنا ، [ ص: 143 ] لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين ، فتلك الدية سواء .

37364 - لم يذكر الأسنان واقتصر على ذكر الأضراس التي فيها الاختلاف ، ولو أراد الأضراس ، والأسنان لم تكن الدية سواء ، لأن الأضراس عشرون ضرسا ، والأسنان اثنتا عشر سنا .

37365 - فلو لم يكن فيها إلا بعيران بعيران ، لم تكن في جميعها إلا أربعة وستون بعيرا ، فأين هذا من تمام الدية ؟

37366 - وسنبين قول سعيد هذا ، في ما بعد من هذا الباب إن شاء الله عز وجل .

37367 - ورواية ابن عيينة لهذا الخبر ، عن يحيى بن سعيد ، أبين من رواية مالك .

37368 - حدثني عبد الوراث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني الخشني ، قال : حدثني ابن أبي عمر ، قال : حدثني سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن المسيب ، قال : قضى عمر بن الخطاب ، في الأسنان ، وهي ما أقبل من الفم ، بخمس من الإبل ، وفي الأضراس ببعير بعير ، فلما كان معاوية ، قال : لو علم عمر من الأضراس ما علمته ، لما فرق بينهما ، قضى فيها بخمس خمس كلها .

قال سعيد بن المسيب : فلو أصيب الفم ، في قول عمر ، نقصت الدية ، وزادت [ ص: 144 ] في قول معاوية ، ولو كنت أنا ، لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين ، وفي ما أقبل من الفم خمسا خمسا ، فكانت الدية .

37369 - قال أبو عمر : أما الضرس ، فيأتي القول في دية الأضراس ، في الباب بعد هذا ، وأما الترقوة ، والضلع ، فمذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابهما ، أن في ذلك حكومة .

37370 - وهذا هو أحد قولي الشافعي ، وذلك خلاف ظاهر ما روي عن عمر .

37371 - وقد روي هذا الحديث ، عن زيد بن أسلم ، كما رواه مالك ، ومعمر ، وابن جريج ، وسفيان الثوري .

37272 - ذكره عبد الرزاق عنه ، عن زيد بن أسلم ، عن مسلم ابن جندب ، عن عمر .

37373 - وذكر وكيع ، قال : أخبرنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن مسلم بن جندب ، عن أسلم مولى عمر ، قال : سمعت عمر يقول على المنبر : في الترقوة جمل .

37374 - وقال أبو بكر : حدثني يزيد بن هارون ، عن حجاج بن داود بن أبي عاصم ، عن سعيد بن المسيب ، قال : في الترقوة بعير .

[ ص: 145 ] 37375 - قال : وحدثني وكيع ، وأبو خالد ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : في الترقوة بعيران .

37376 - وقال قتادة : فيها أربعة أبعرة .

37377 - وقال عمرو بن شعيب : فيها خمس من الإبل .

37378 - وقال مجاهد ، والشعبي : فيها أربعون دينارا .

37379 - وروى وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : في الترقوة حكم .

37380 - ورواه عبد الرزاق ، عن الثوري ، بإسناده مثله .

37381 - وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب ، لأنه لم يثبت فيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يجب التسليم له ، فكذلك قال إليه أئمة الفتوى ، وقد يحتمل أن يكون الذي جاء عن عمر ، وعن التابعين في ذلك ، على سبيل الحكومة . والله أعلم .

37382 - وقد ذكر المزني ، عن الشافعي ، قال : في الترقوة جمل ، وفي الضلع جمل .

37383 - قال : وقال في موضع آخر : يشبه ما روي عن عمر في ذلك ، أن [ ص: 146 ] يكون حكومة لا توقيتا .

37384 - وقال المزني : هذا أشبه بقوله : كما تأول قول زيد بن ثابت : " في العين القائمة ، مائة دينار " . أن ذلك على معنى الحكومة ، لا على التوقيت .

37385 - قال المزني : قد قطع الشافعي بهذا المعنى ، فقال : في كل عظم كسر ، سوى السن حكومة ، فإذا جبر مستقيما ، ففيه حكومة بقدر الألم والشين ، ولئن جبر معيبا ، أو به عوج ، زيد في حكومته بقدر شينه وضرره وألمه ، لا يبلغ به دية العظم لو قطع .

37386 - وأما رواية سعيد بن المسيب ، عن عمر ، أنه قضى في الأضراس ببعير بعير ، فالضرس غير السن ، إلا أن السن اسم جامع عند أهل العلم ، للأضراس وغيرها ، وهي اثنان وثلاثون سنا ، منها عشرون ضرسا ، وأربعة أنياب ، وأربع ثنايا ، وأربع ضواحك .

37387 - وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن في السن خمسا من الإبل .

37388 - واتفق فقهاء الأمصار على ذلك كله ، وسنذكر الحديث المسند ، وغيره بعده ، إن شاء الله تعالى .

37389 - والاختلاف إنما هو في الأضراس العشرين ، لا في الأسنان الاثني عشرة .

37390 - فعلى قول عمر : " في الأضراس عشرون بعيرا ، في كل ضرس بعير " ، وفي الأسنان ستون بعيرا ، فذلك ثمانون بعيرا ، ينقص من الدية عشرون بعيرا ، وعلى السنة الثابتة ، في كل سن خمس من الإبل .

[ ص: 147 ] 37391 - وهو الذي أضافه سعيد بن المسيب ، إلى قول معاوية ، في حديثه هذا : تبلغ دية جميع الأسنان ، مئة وستين بعيرا ، فتزيد على دية النفس ستين بعيرا .

37392 - وعلى قول سعيد بن المسيب ، إذا كان في الأضراس بعيران بعيران ، وهى عشرون ضرسا ، وفي الأسنان ستون ، فتلك الدية سواء .

37393 - وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السن خمسا من الإبل فينتهي من الأسنان جميعا ، حيث ما انتهى بها عددها ، كما لو فقئت عين إنسان ، وقطعت يداه ورجلاه ، وذكره ، وخصيتاه ، لاجتمع له في ذلك أكثر من دية نفسه أضعافا ، فلا وجه لاعتبار دية الأضراس بدية النفس .

37395 - ومن ضرب رجلا ضربة ، فألقى أسنانه كلها ، فكانت عليه الدية ، وثلاثة أخماس الدية ، لأن عليه في كل سن نصف عشر الدية ، وهي اثنان وثلاثون سنا .

37396 - هذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والليث ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وجمهور العلماء ، وبالله التوفيق .

37397 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب له كتابا فيه : " وفي السن خمس من الإبل " .

[ ص: 148 ] 37398 - وحدثني سعيد ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال حدثني أبو بكر ، قال : حدثني محمد بن بشر ، قال : حدثني سعيد بن أبي عروبة ، عن مطر ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " في السن خمس خمس " . 50 37399 - وقال أبو بكر : حدثني جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن شريح ، قال أتاني عروة البارقي ، من عند عمر ، أن الأسنان ، والأضراس في الدية سواء .

37400 - قال أبو عمر : هذا خلاف ما رواه مالك عن زيد بن أسلم ، في هذا الباب عن عمر .

37401 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن شريح ، أن عمر كتب إليه أن الأسنان سواء .

37402 - وفي حديث مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قوله : " وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة " ، قال : " فلو كنت أنا ، لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين " : دليل على أنه لم تبلغه السنة المأثورة في الأسنان ، ولا وقف عليها ، ولو علمها لسلم لها كما سلم لربيعة ، في أصابع المرأة ، وما كان ليضيفها إلى معاوية ، دون أن يضيفها إلى السنة ، لو كان عنده في ذلك سنة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية