الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
37420 - قال مالك : والأمر عندنا في موضحة العبد نصف عشر ثمنه ، وفي منقلته العشر ونصف العشر من ثمنه ، وفي مأمومته وجائفته ، [ ص: 153 ] في كل واحدة منهما ثلث ثمنه ، وفيما سوى هذه الخصال الأربع ، مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه ، ينظر في ذلك بعدما يصح العبد ويبرأ ، كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح ، وقيمته صحيحا قبل أن يصيبه هذا ؟ ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين .

37421 - قال مالك : في العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره ، فليس على من أصابه شيء ، فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل ، كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد .


37422 - قال أبو عمر : ما ذكره مالك - رحمه الله - عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، في موضحة العبد مستعملة في الأربعة الجراح ، الموضحة ، والمنقلة ، والمأمومة ، والجائفة ، دون غيرها من الجراحات والشجاج ، لأنها إذا برئ العبد الذي أصيب بها ، لم ينقصه من ثمنه ذلك شيئا ، وهي جراح قد ورد التوقيف في أرشها ، في الحر ، فجعل فيها من ثمنه كما في الحر من ديته ، وأجراه فيها مجرى الحر ، قياسا عليه ، ورأى أن قياسه فيها على الحر ، أولى من قياسه على السلع ، لأنه حيوان عاقل مكلف ، متعبد ، ليس كالبهائم ، ولا كالسلع التي يراعى فيها ما نقص من ثمنها .

37423 - واستعمل ما روي عن مروان بن الحكم ، في ماعدا هذه الجراح الأربع ; لأن ما عداها ينقص من ثمن العبد لا محالة عنده ، فاستعمل الخبرين جميعا ، وذكر أن ذلك الأمر عندهم .

[ ص: 154 ] 37424 - وروى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه قال : إن فقأ حر عيني عبد غيره ، أو قطع يده ، ضمنه ، وعتق عليه ، لأنه أبطله ، فإن كان جرحا ، لم يبطله مثل فقء عين واحدة ، أو جدع أنف ، فعليه ما نقص من ثمنه ، ولا يعتق عليه .

37425 - وأما أبو حنيفة ، فذهب إلى أن جراح العبد من قيمته ، كجراح الحر من ديته ، فجعل في عينه نصف قيمته ، وجعل في يده نصف قيمته ، وفي رجله نصف قيمته ، وفي أنفه قيمته كلها ، كما في أنف الحر ديته كلها ، وكذلك سائر جراحاته ، وشجاجه ، وأسنانه ، جعل فيها كمن قيمته ، مثل ما فيها للحر من ديته .

37426 - وروي ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعن شريح ، والشعبي ، وإبراهيم ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز .

37427 - وقال أبو يوسف مثل قول أبي حنيفة ، في أعضاء العبد وجراحاته ، إلا أنهما اختلفا في الحاجبين ، والأذنين .

37428 - فقال أبو حنيفة : في أذن العبد ، ونتف حاجبه ، إذا لم ينبت ما نقصه .

37429 - وقال أبو يوسف : في الحاجب والأذن ، في كل واحد منهما نصف قيمة العبد ، كما تجب في ذلك من الحر نصف ديته .

37430 - وقال محمد بن الحسن : في جميع ما يتلف من أعضاء العبد والنقصان ، ينظر إلى قيمته صحيحا ، وإلى قيمة دية الجناية : فيغرم الجاني فضل ما [ ص: 155 ] بينهما .

37431 - وروى محمد ، عن زفر ، مثل قوله .

37432 - وروى الحسن بن زياد ، عن زفر ، مثل قول أبي حنيفة ، إلا أن أبا حنيفة يقول : إن بلغت جراح العبد دية حر ، نقص منها عشرة دراهم ، لأنه لا يكافئه فيما دون النفس ، ولو قطع حر يد عبد ، قيمتها خمسة آلاف ، نقص منها خمسة دراهم .

37433 - وقال زفر : عليه ما نقصه ، على رواية محمد عنه ، فإن بلغ ذلك أكثر من خمسة آلاف ، كان عليه خمسة آلاف درهم ، لا زيادة .

37434 - وقال أبو حنيفة ، في حر فقأ عيني عبد لغيره : إن سيد العبد إن شاء أسلمه إلى الذي فقأ عينه ، وأخذ قيمته ، وإن شاء أمسكه ، ولا شيء له عليه من النقصان .

37435 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : إن شاء أمسكه وأخذ النقصان ، وإن شاء دفعه وأخذ قيمته .

37436 - وقال زفر : عليه ما نقصه ، فإن بلغ أكثر من عشر آلاف درهم ، كان عليه عشرة آلاف درهم ، لم يزد عليها .

37437 - وقال الأوزاعي : في يد العبد نصف ثمنه .

37438 - وقال الثوري : إذا أصيب من العبد ما يكون نصف ثمنه ، من يد ، أو رجل ، أخذ مولاه نصف ثمنه ، إذا كان قد برئ ، وإذا أصيب أنفه ، أو [ ص: 156 ] ذكره ، دفعه مولاه إلى الذي أصابه ، وأخذ ثمنه إن كان قد برئ .

37439 - وقال الحسن بن حي : جراحة المملوك في قيمته ، مثل جراحة الحر في ديته ، فإن قطع أذنيه ، أو فقأ عينيه ، فإن شاء المولى أخذ النقصان ، وإن شاء أخذ القيمة ، ودفعه إلى الجاني .

37440 - وقال الليث ، في رجل خصى غلاما لرجل ، وكان ذلك زائدا في ثمن الغلام ، فإنه يغرم ثمنه كله لسيده ، زاد أو نقص ، ويعاقب في ذلك .

37441 - وقال الشافعي : جراح العبد من ثمنه ، كجراح الحر من ديته ، اتباعا لعمر ، وعلي ، وسعيد بن المسيب ، وغيرهم .

37442 - قال : وفي ذكره ثمنه ، ولو زاد القطع في ثمنه أضعافا ، لأنه فيه على عاقلته قيمته ، بالغا ما بلغت .

37443 - قال : وقياسه على الحر أولى من قياسه على العبد الذي ليس فيه إلا ما نقصه ، لأن في قتله خطأ ، دية ورقبة مؤمنة كفارة ، وليس كذلك البهائم والمتاع ، ولا تقتل البهيمة بمن قتلت من المسلمين ، كما يقتل العبد ، ولا عليها صلاة ، ولا صوم ، ولا عبادة ، فهو أشبه بالحر منه بالسلع ، وثمنه فيه ، كالدية في الحر .

37444 - قال أبو عمر : سنذكر اختلافهم في قيمة العبد إذا قتل ، هل يبلغ بها دية الحر أم لا ؟ في آخر باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله ، إن شاء الله ( عز وجل ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية