الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
218 [ ص: 368 ] ( 17 ) باب من قام بعد الإتمام أو في الركعتين

190 - مالك عن ابن شهاب ، عن الأعرج ، عن عبد الله بن بحينة أنه قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ، ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته ، ونظرنا تسليمه ، كبر ، ثم سجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم .


[ ص: 369 ] 5448 - وذكر عن يحيى بن سعيد ، عن الأعرج ، عن ابن بحينة - مثله بمعناه . وقد ذكرنا ابن بحينة في كتاب الصحابة بما فيه كفاية .

[ ص: 370 ] 5449 - وفي هذا الحديث بيان أن أحدا لا يسلم من الوهم والنسيان ; لأنه إذا اعترى ذلك الأنبياء فغيرهم بذلك أحرى .

5450 - وقد يكون ذلك منه - عليه السلام - ليسن لأمته كما جاء عنه : " إني لأنسى أو أنسي لأسن " .

5451 - وفي هذا الحديث من الفقه أن المصلي إذا لم يجلس في اثنتين ، وقام ، واعتدل قائما - لم يكن له أن يرجع .

5452 - وإنما قلنا : واعتدل قائما ; لأن الناهض لا يسمى قائما حتى يعتدل ; فالقائم هو المعتدل .

5453 - وفي حديث مالك في هذا الباب : ثم قام ، ولم يجلس .

5454 - وإنما قلنا : إنه لا ينبغي له إذا اعتدل قائما أن يرجع إلى الجلوس ; لأنه معلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتدل قائما لا يخلو أمره من أن يذكر بنفسه أو يذكره من خلفه بالتسبيح ، ولا سيما قوما قد قيل لهم : " من نابه شيء في صلاته فليسبح " ، وهم أولو النهي ، وأولى من عمل بما حفظ ووعى .

5455 - وأي الحالين كان فلم ينصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجلوس بعد قيامه ذلك ; فمن هاهنا قلنا : لا ينبغي لمن اعتدل قائما أن ينصرف إلى الجلوس .

5456 - وقد روى المغيرة بن شعبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قام من اثنتين واعتدل فسبحوا به ، فلم ينصرف ، وتمادى في صلاته ، ثم سجد لسهوه ، وفعل ذلك [ ص: 371 ] المغيرة ، وسبحوا به فلم يرجع ، وقال لهم : كذلك صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

5457 - وعن سعد بن أبي وقاص مثل حديث المغيرة سواء .

5458 - وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد .

5459 - فإن رجع إلى الجلوس بعد قيامه لم تفسد صلاته عند جمهور العلماء ; لأنه رجع إلى أصل ما كان عليه ، وسهوه في قيامه متجاوز عنه .

460 - وقد بان بالسنة أن الزائد في صلاته ساهيا غير مفسد لها ، والذي يقصد إلى عمل يظن أنه قد أسقطه من صلاته أحرى بذلك .

5461 - وقد قال بعض المتأخرين : تفسد صلاته . وهو قول ضعيف لا وجه له .

5462 - واختلف العلماء في هذه المسألة :

5463 - فقال مالك : من قام من اثنتين تمادى ولم يجلس ، وسجد قبل السلام على حديث ابن بحينة هذا .

5464 - فإن عاد إلى الجلوس بعد قيامه فصلاته تامة ، وتجزيه سجدتا السهو .

5465 - قال ابن القاسم وأشهب : يسجدهما بعد السلام ; لأنه زاد في صلاته القيام والانصراف .

5466 - وقال علي بن زياد : يسجدهما قبل السلام .

5467 - وقد روى عن أشهب ; لأنه قد وجب ذلك عليه في قيامه ، ورجوعه إلى الجلوس زيادة ، فكأنه زاد ونقص .

[ ص: 372 ] 5468 - قال أبو عمر : قول ابن القاسم وأشهب أولى بالصواب على أصل مالك ، إلا أن السجود في الزيادة قبل السلام قد مضى ما جاء فيه في الباب قبل هذا .

5469 - وقال الشافعي : إذا ذكر ولم يستتم قائما لم يرجع .

5470 - وهو قول علقمة ، والأسود ، وقتادة ، والضحاك ، والأوزاعي .

5471 - وفي قول الشافعي : إذا رجع إلى الجلوس سجد سجدتي السهو ، والسجود عنده قبل السلام .

5472 - وفي قول علقمة والأسود : لا يسجد إن رجع إلى الجلوس ، كأنهما يقولان : لم ينقص شيئا فيجبره .

5473 - والنبي - عليه السلام - قد أكمل صلاته يوم ذي اليدين ، وسجد ، [ ص: 373 ] وصلى خمسا ، وسجد ; فدل أن السجود للسهو لا للنقصان .

5474 - وقال حسان بن عطية : إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى .

5475 - وقال الحسن البصري : ينصرف ويقعد وإن قرأ ، ما لم يركع .

5476 - قال أبو عمر : قد روى سفيان الثوري عن جابر الجعفي ، عن المغيرة بن شبيل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس ، فإن استوى قائما فلا يجلس ، وسجد سجدتي السهو " .

5477 - ذكره أبو داود ، وقال : ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث .

5478 - قال أبو عمر : في حديث ابن بحينة هذا وحديث المغيرة بن شعبة عن النبي - عليه السلام - دليل على صحة ما ذهب إليه أصحابنا ومن قال بقولهم في أن الجلسة الوسطى سنة لا فريضة ; لأنها لو كانت من فرائض الصلاة لرجع الساهي عنها إليها حتى يأتي بها .

5479 - كما لو ترك سجدة أو ركعة ، ولروعي فيها ما يراعى في السجود [ ص: 374 ] والركوع من الموالاة والرتبة .

5480 - وقد سبح برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرجع إليها ، وسجد لسهوه .

5481 - وفي حديث ابن بحينة أنه علم بها فلم يقضها ، وسجد لسهوه عنها ، ولو كانت فرضا لم يسقطها النسيان والسهو ; لأن الفرائض في الصلاة يستوي في تركها السهو والعمد ، إلا في المأثم .

5482 - وقد ذهب آخرون إلى أن الجلسة الوسطى فرض ، وأنها مخصوصة من بين سائر فروض الصلاة بأن ينوب عنها السجود : كالعرايا من المزابنة ، وكسقوط بعد الإحرام لمن وجد الإمام راكعا ، وبأنها لا يقاس عليها شيء من أعمال البدن في الصلاة ; فدل على خصوصها .

5483 - واحتجوا بأنها لو كانت سنة ما كان العامد لتركها تبطل صلاته كما [ ص: 375 ] لا تبطل بترك سنن الصلاة إذا أتى بفرائضها ، وبما أجمعوا عليه في سائر أعمال البدن أنها فرض في الصلاة من أولها إلى آخرها : من قيام ، وقعود ، وركوع ، وسجود .

5484 - والقول الأول أصح من جهة الأثر والنظر - إن شاء الله - .

5485 - وقد أوضحنا معنى القولين وما اخترنا من ذلك مع سائر معاني هذا الباب في التمهيد . والحمد لله .

[ ص: 376 ] 5486 - وشذت فرقة; فأوجبتها فرضا ، وأوجبت الرجوع إليها ما لم يعمل المصلي بعدها ما يمنعه من الرجوع إليها . وذلك عند ركعته التي قام إليها برفعه رأسه منها .

5487 - وقولهم هذا ليس بشيء ; لأن الفرض من عمل البدن في الصلاة ينصرف إليه ، ويرتب مع ما بعده ، ولا يسلم من الصلاة إلا أن يؤتى به مع الذكر .

5488 - وهذا أيضا مردود بالسنة في حديث ابن بحينة وغيره ; فلا وجه للاشتغال به .

5489 - واختلفوا في الجلسة الأخيرة : هل هي فرض أيضا أم لا ; فذهب جمهور أهل العلم وجماعة فقهاء الأمصار إلى أنها فرض واجب ، تفسد صلاة من لم يأت بها ساهيا كان أو عامدا ، إلا فرقة صغيرة منهم ابن علية ; فإنه ذهب إلى أن الجلسة الآخرة ليست بفرض واجب ، قياسا على الجلسة الوسطى .

5490 - واحتج بحديث ابن بحينة وغيره في القيام من اثنتين .

5491 - وبحديث عبد الله بن عمرو عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته " .

5492 - وهذا لفظ لا يصح في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - عليه السلام - ، ولا هذا الحديث يصح أصلا ; لأنه انفرد به الإفريقي عبد الرحمن بن زياد ، لم يروه غيره ، وليس بحجة فيما يرويه وينفرد به عند الجميع ; لضعفه في نقله .

5493 - وهذا اللفظ في رفع الرأس من آخر الصلاة إنما هو مروي عن علي ، وقال به طائفة .

[ ص: 377 ] 5494 - والمحفوظ في حديث عبد الله بن عمرو من رواية الإفريقي أن النبي - عليه السلام - قال : " إذا جلس أحدكم في آخر صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته " .

5495 - وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس .

5496 - وقد عارض هذا الحديث ما هو أقوى منه نقلا ، وهو قوله - عليه السلام - : " تحليلها التسليم " ، والحجة في السنة لا فيما قال .

5497 - والجمهور حجة على من شذ منهم ; لأنه لا يجوز على جميعهم جهل ما علمه الشاذ المنفرد .

5498 - على أن ابن علية يوجب فساد صلاة من لم يأت بأعمال الصلاة : سننها وفرائضها ، وكل ما عمله النبي - عليه السلام - في الصلاة عنده ، ولم يختلف عنه فيه - فهو واجب عنده ، تفسد الصلاة بتركه .

5499 - وله إغراق في القياس وشذوذ عن العلماء كثير . وليس عندهم ممن يعتمد عليه . والله أعلم .

5500 - وأما اختلاف العلماء في سجود السهو فقال ابن شهاب ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، والأوزاعي ، [ ص: 378 ] والليث بن سعد ، والشافعي - : السجود كله قبل السلام .

5501 - وروي هذا القول عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والسائب بن السائب ، وعبد الله بن الزبير ، ومعاوية .

5502 - وبه قال مكحول .

5503 - والحجة لقائلي هذا القول ما تقدم في هذا الباب والباب الذي قبله من سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قام من اثنتين ، وحين أمر بالبناء على اليقين من حديث أبي سعيد ، وابن عباس ، وعبد الرحمن بن عوف - قبل السلام في الوجهين جميعا ، والبناء على اليقين ليس فيه نقصان .

5504 - حدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون ، حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا أبو مسهر عن محمد بن مهاجر ، عن أخيه عمرو بن مهاجر أن الزهري قال لعمر بن عبد العزيز : السجدتان قبل السلام ؟ فقال له : أبى ذلك علينا أبو سلمة بن عبد الرحمن يا زهري .

5505 - وحدثنا خلف ، حدثنا أبو الميمون ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني محمد بن عجلان أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز صلى للناس المغرب ، فسها ، فنهض من ركعتين ، فقال الناس : سبحان الله ، فلم يجلس . فلما فرغ من صلاته ، سجد سجدتين بعد السلام ، ثم انصرف ، فسأل ابن شهاب ، فقال : أصبت - إن شاء الله - ، والسنة على غير الذي صنعت ، فقال له عمر : كيف ؟ قال : تجعلهما قبل السلام ، قال [ ص: 379 ] عمر : إني قلت : إنه دخل علي ، ولم يدخل عليهم ، فقال ابن شهاب : ما دخل عليك دخل عليهم .

5506 - قال سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة وأصحابه : السجود كله بعد السلام .

5507 - وروي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمار بن ياسر ، وعمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ، والضحاك بن قيس .

5508 - واختلف في ذلك عن ابن عباس ، وابن الزبير ، ومعاوية ، وبه قال الحسن البصري ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي ، وابن أبي ليلى .

5509 - وحجتهم في القيام من اثنتين حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من اثنتين ، وسجد بعد السلام .

5510 - وحديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد بعد السلام إذ صلى خمسا ، ونحو ذلك مما قد ذكرنا في الباب قبل هذا .

5511 - وقال مالك وأصحابه : كل سهو كان نقصانا في الصلاة فالسجود له قبل السلام على حديث ابن بحينة في هذا الباب ، وكل سهو كان زيادة فالسجود له بعد السلام على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

5512 - وقد ذكرنا قول ابن حنبل في الباب قبل هذا ، وقول داود أيضا . وحديث ابن بحينة عند ابن حنبل أصح من حديث المغيرة ، وبه يقول في القيام من اثنتين .

[ ص: 380 ] 5513 - وحديث المغيرة يدور على ابن أبي ليلى ، وليس بالحافظ ولا ممن يحتج به فيما خولف فيه .

5514 - وقد أوضحنا معاني هذا الباب في التمهيد . والحمد لله .

5515 - واختلف الفقهاء أيضا في التشهد في سجدتي السهو والسلام منهما :

5516 - فقالت طائفة : لا تشهد فيهما ولا تسليم . وروي ذلك عن أنس ، [ ص: 381 ] والحسن البصري ، ورواية عن عطاء .

5517 - وهو قول الأوزاعي والشافعي ; لأن السجود كله عندهما قبل السلام ، فلا وجه عندهما لإعادة التشهد .

5518 - وقد روي عن عطاء : إن شاء تشهد وسلم ، وإن شاء لم يفعل .

5519 - وأما الشافعي فيرى التشهد فيهما واجبا ، حكاه البويطي عنه .

5520 - وهو ممن يقول : هما قبل السلام .

5521 - وقال آخرون : يتشهد فيهما ولا يسلم ، قاله يزيد بن قسيط ، ورواية عن الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، وإبراهيم النخعي .

5522 - وقال آخرون : فيهما تشهد وتسليم . روي ذلك عن ابن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، والحكم ، وحماد .

5523 - وبه قال مالك وأكثر أصحابه ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والليث بن سعد .

5524 - وقال أحمد بن حنبل : إن سجد قبل السلام لم يتشهد ، وإن سجد بعد السلام تشهد .

5525 - وبهذا قالت طائفة من أصحاب مالك ، ورووه أيضا عن مالك .

5526 - وقال ابن سيرين : يسلم منهما ، ولا يتشهد فيهما .

5527 - قال أبو عمر : من رأى السلام فيهما فعلى أصله من تسليمة واحدة أو تسليمتين .

5528 - وقد صح عن النبي - عليه السلام - أنه سلم من سجدتي السهو في حديث عمران بن حصين ; إذ سلم من ثلاث ، ثم سجد بعد السلام .

[ ص: 382 ] 5529 - وهو حديث صحيح ثابت .

5530 - ومن رأى السجود قبل السلام فلا يحتاج إلى هذا ; لأن السلام من الصلاة هو السلام على ما في حديث ابن بحينة في هذا الباب .

5531 - وأما التشهد في سجدتي السهو فلا أحفظه من وجه صحيح عن النبي - عليه السلام - .

5532 - وأما التكبير في الخفض والرفع فمحفوظ ثابت في حديث ابن بحينة من رواية ابن شهاب وغيره .

5533 - وقد ذكرنا طرقه عن ابن شهاب في " التمهيد " . وفيما وصفنا من رواية الثقات من أصحاب ابن شهاب عنه ، عن الأعرج ، عن ابن بحينة ، وفي حديث أبي هريرة يوم ذي اليدين - مثل ذلك ، وقد مضى في بابه . والحمد لله .

5534 - وأما اختلاف العلماء في حكم الجلوس الآخر في الصلاة وما الفرض في ذلك - فعلى خمسة أقوال :

5535 - ( أحدها ) : أن الجلسة الآخرة فرض ، والتشهد فرض ، والسلام فرض .

5536 - وممن قال بذلك الشافعي وأصحابه ، وأحمد في رواية ، وداود .

5537 - وكذلك حكى أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة .

5538 - وحجتهم أن بيانه عليه السلام في الصلاة فرض ; لأن الأصل فرضها مجمل مفتقر إلى البيان ، فكل ما عمله - عليه السلام - فيها فرض ، إلا ما قام [ ص: 383 ] الدليل على أنه سنة لا فرض .

5539 - واحتجوا بالإجماع على وجوب عدد الركعات فيها والسجود وغير ذلك مما هو واجب ببيان النبي - عليه السلام - له بفعله .

5540 - واحتجوا أيضا بقوله - عليه السلام - : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وبأشياء يطول ذكرها .

5541 - ( والقول الثاني ) أن الجلوس فيها فرض ، والسلام فرض واجب ، وليس التشهد بواجب .

5542 - وممن قال ذلك مالك وأصحابه ، وأحمد بن حنبل في رواية .

5543 - وحجتهم أن عمل اليدين كله فرض ; للإجماع على فرض القيام والركوع والسجود ، فكذلك كل عمل البدن ، إلا ما خرج بدليل ، وهو الجلسة الوسطى .

5544 - ومن حجتهم أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج قط من صلاة إلا بالتسليم ، وقال : " تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم " ، وقام من اثنتين ولم يتشهد ، فسقط التشهد لذلك .

5545 - ولأنه ذكر ولا شيء من الذكر واجب غير تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والتسليم .

5546 - ( والقول الثالث ) أن الجلوس مقدار التشهد فرض ، وليس التشهد ولا التسليم بواجب فرضا .

5547 - وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه ، وجماعة من الكوفيين ، [ ص: 384 ] واحتجوا بنحو ما تقدم في بيان عمل الصلاة وعمل البدن بحديث عبد الرحمن بن زياد الإفريقي : أن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة حدثاه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا جلس الرجل في آخر صلاته ، فأحدث قبل أن يسلم ، فقد تمت صلاته " . وهكذا رواه ابن المبارك عن الإفريقي ، وهو أثبت من رواه عنه .

5548 - ( والقول الرابع ) أن الجلوس والتشهد واجبان ، وليس السلام بواجب .

5549 - قاله جماعة ، منهم إسحاق بن راهويه .

5550 - واحتج إسحاق بحديث ابن مسعود حين علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد ، وقال له : " إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك ، وقضيت ما عليك " .

5551 - ( والقول الخامس ) : أن ليس الجلوس فيها ولا التشهد ولا السلام بواجب ، وإنما ذلك كله سنة مسنونة ، وهذا قول بعض البصريين ، وإليه ذهب ابن علية ، وصرح بقياس الجلسة الآخرة على الأولى ، فخالف الجمهور وشذ ، إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله .

5552 - واحتج برواية من روى في حديث الإفريقي بإسناده المذكور : " إذا رفع رأسه وأحدث ولم يذكر جلوسا " .

5553 - وهو حديث لا حجة فيه ; لضعفه واختلافهم أيضا في لفظه . وبالله التوفيق ، لا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية