الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1617 1612 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أن سليمان بن يسار كان يقول : دية المجوسي ثمانمائة درهم .

قال مالك : وهو الأمر عندنا .

قال مالك : وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين في دياتهم ، الموضحة نصف عشر ديته ، والمأمومة ثلث ديته ، والجائفة ثلث ديته ، فعلى حساب ذلك ، جراحاتهم كلها .


37474 - قال أبو عمر : اختلف أهل العلم في دية أهل الكفر ، فذهب مالك إلى ما ذكره في " موطئه " في دية اليهودي ، والنصراني ، عن عمر بن عبد العزيز ، في دية المجوسي ، عن سليمان بن يسار .

37475 - وذكر وكيع ، قال : حدثني سفيان ، عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : دية المعاهد على النصف من دية المسلم .

37476 - وقال أبو بكر : حدثني يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، قال : كان الناس يقضون في دية اليهودي ، والنصراني ، وبالذي [ ص: 163 ] كانوا يتعاقلون به فيما بينهم ، ثم رجعت الدية إلى ستة آلاف درهم .

37477 - قال : وكان الناس يقضون في الزمان الأول ، في دية المجوسي ثمانمائة درهم .

37478 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " دية الكافر نصف دية المؤمن " .

37479 - حدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثني الفضل بن أبي العقب بدمشق ، قال : حدثني أبو زرعة ، قال : حدثني أحمد بن خالد الوهبي قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح قال في خطبته : " دية الكافر نصف دية المسلم " .

37480 - وحدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " دية [ ص: 164 ] الكافر نصف دية المسلم " .

37481 - وقال الشافعي : دية اليهودي ، والنصراني ثلث دية المسلم ، ودية المجوسي ثلاثمائة درهم .

37482 - قال : والمرأة على النصف من ذلك .

37483 - قال أبو عمر : روي هذا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما .

37484 - وبه قال الحسن البصري ، وعكرمة ، وعطاء ، ونافع مولى ابن عمر ، وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز ، في رواية .

37485 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني وكيع ، عن سفيان ، عن أبي المقدام ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم .

37486 - قال : وحدثني سفيان ، عن صدقة بن يسار ، عن سعيد بن المسيب ، أن عثمان - رضي الله عنه - قضى في دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف درهم .

[ ص: 165 ] 37487 - قال أبو أسامة ، عن هشام ، قال : قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ، أن دية اليهودي والنصراني ، ثلث دية المسلم .

37488 - قال : وحدثني يحيى بن سعيد ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة ، والحسن ، قالا : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة .

37489 - قال : وحدثني ابن نمير ، عن عطاء ، قال : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة .

37490 - قال أبو عمر : اختلف عن عمر بن عبد العزيز ، في دية الذمي ، فروي عنه ، أنه كان يقضي في دية اليهودي ، والنصراني ، بنصف دية المسلم .

37491 - ذكره معمر ، عن الزهري ، وغيره ، عن عمر .

37492 - وقد روى ابن جريج ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن أبيه ، أن دية المجوسي أربعة آلاف درهم .

37493 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، وعثمان البتي ، والحسن بن حي : دية المسلم والكافر واليهودي والنصراني ، والمجوسي ، والمعاهد ، سواء .

37494 - وهو قول ابن شهاب .

[ ص: 166 ] 37495 - قال أبو عمر : روي هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين .

37496 - وروى إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، قال : كان أبو بكر ، وعمر ، وعثمان - رضي الله عنهم - يجعلون دية اليهودي ، والنصراني ، إذا كانوا معاهدين ، مثل دية المسلم .

37497 - قال أبو عمر : الأحاديث في هذا الباب ، عن عمر ، وعثمان ، مضطربة ، مختلفة ، منقطعة ، فلا حجة فيها .

37498 - وروي عن ابن مسعود ، قال : دية أهل الكتاب ، وكل من له عهد ، أو ذمة ، دية المسلم .

37499 - وهو قول إبراهيم ، والشعبي ، وعطاء ، والحكم ، وحماد .

37500 - ورواه الحكم بن عتيبة ، عن علي - رضي الله عنه - .

37501 - ورواه مجاهد أيضا عن علي ، ولم يدرك واحد منهما زمان علي .

37502 - وروى معمر ، عن الزهري ، قال : دية اليهودي ، والنصراني ، وكل ذمي ، مثل دية المسلم .

قال : وكذلك كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي - رضوان الله عليهم - حتى كان معاوية ، فجعل في بيت المال نصفها ، وأعطى [ ص: 167 ] أهل المقتول نصفها ، ثم قال : قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية ، وألغى الذي جعله معاوية في بيت المال ، قال : وأحسب عمر رأى ذلك النصف ، الذي جعله معاوية في بيت المال ، ظلما منه .

37503 - قال الزهري : فلم يقيض لي أن أذاكر بذلك عمر بن عبد العزيز ، فأخبره أن الدية قد كانت تامة لأهل الذمة .

37504 - قال معمر : فقلت للزهري : إن ابن المسيب ، قال : ديته أربعة آلاف ، فقال لي : إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله ، قال الله - عز وجل : ( فدية مسلمة إلى أهله )
[ النساء : 92 ] .

37505 - وقال عبد الرزاق : أخبرنا أبو حنيفة ، عن الحكم بن عتيبة ، أن عليا - رضي الله عنه - قال : دية اليهودي ، والنصراني مثل دية المسلم .

37506 - قال أبو حنيفة : وهو قولي .

37507 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، عن يعقوب بن عتبة ، وإسماعيل بن محمد ، وصالح ، قالوا : عقل كل معاهد ، ومعاهدة ، كعقل المسلم ، ذكرانهم كذكرانهم ، وإناثهم كإناثهم ، جرت بذلك السنة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

37508 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، قال : سمعت الزهري يقول : دية المعاهد دية المسلم ، وتلا هذه الآية : [ ص: 168 ] ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] .

37509 - قال أبو عمر : احتج الكوفيون بهذه الآية ، قوله - عز وجل : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) [ النساء : 92 ] . ثم قال عز وجل : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] .

37510 - قالوا : فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي ، وجب أن تكون الدية كذلك .

37511 - وقالوا : وقوله - عز وجل : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] ، كما قال في المؤمن ، فأراد الكافر ، لأنه لو أراد المؤمن لقال عز وجل : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن ، كما قال - عز وجل : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] .

37512 - فأوجب الله - عز وجل - فيه تحرير رقبة دون الدية ، لأنه مؤمن من قوم حربيين ، عدو للمسلمين .

37513 - قال أبو عمر : قول مالك حدثني يحيى بن سعيد ، عن أشعث ، عن الحسن ، قال : إذا قتل المسلم الذمي ، فليس فيه غير كفارة .

[ ص: 169 ] 37514 - وتأول مالك - رحمه الله - هذه الآية في المؤمنين ، لأنه قال - عز وجل - في أولها : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) ثم قال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] . يعني المؤمن المقتول خطأ .

37515 - ورد قوله هذا بعض من ذهب مذهب الكوفيين ، فقال : الحجة عليه أن الله - عز وجل - قال في هذه الآية : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] . فدل ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله عز وجل : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) [ النساء : 92 ] لأنه لو كان معطوفا عليه ، ما قال : ( وهو مؤمن ) ، لأن قوله : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) ، يعني على وصفه بالإيمان ، لأنه يستحيل أن يقول : وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم عدو لكم ، وهو مؤمن .

37516 - قالوا : وكذلك قوله تعالى : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره .

37517 - قال أبو عمر : التأويل سائغ في الآية للفريقين ، والاختلاف موجود بين السلف والخلف ، من العلماء ، في مبلغ دية الذمي .

37518 - وأصل الديات التوقيف ، ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه .

37519 - وقد أجمعوا على أن أقل ما قيل فيه واجب ، واختلفوا فيما زاد ، والأصل براءة الذمة .

[ ص: 170 ] 37520 - وروى إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] ، قال : يكون الرجل مؤمنا ، وقومه كفار ، فلا تكون له دية ، وفيه تحرير رقبة مؤمنة .

37521 - ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] . قال : عهد ( فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] . فلا يجب أن يؤخذ مال مسلم ، إلا بيقين .

37522 - وأقل ما قيل يقين في ذلك . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية