الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1620 1617 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب ، أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة ، حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه ، فنزي في جرحه فمات ، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب ، فذكر ذلك له ، فقال له عمر : اعدد على ماء قديد ، عشرين ومائة بعير ، حتى أقدم عليك ، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب ، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة ، وأربعين خلفة ، ثم قال : أين أخو المقتول ؟ قال : هأنذا ، قال : خذها ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس لقاتل شيء " .

[ ص: 198 ] 37672 - قال أبو عمر : هذا الحديث مشهور عند العلماء ، مروي من وجوه شتى ، إلا أن بعضهم يقول فيه : قتادة المدلجي ، كما قال مالك ، ويحيى بن سعيد ومنهم من يقول فيه : عرفجة المدلجي والأكثر يقولون : قتادة ، وهو الصحيح ، إن شاء الله تعالى .

37673 - ومنهم من يجعل قتله لابنه عمدا ، ويجعل الدية في ماله .

37674 - ومنهم من قال : هو شبه العمد ، ولذلك جعل عمر فيه الدية مغلظة .

37675 - ورواه بعضهم عن عمرو بن شعيب ، بمثل معنى . . . . . مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب سواء ، إلا أنهم قالوا بعد قوله : وأربعين خلفة ، ثم دعا أم المقتول وأخاه ، فدفعها إليهما ، ثم قال عمر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يرث القاتل شيئا ممن قتل " .

37676 - واختلف القائلون بأنه شبه عمد ، على من تجب الدية مغلظة فيه ؟

[ ص: 199 ] 37677 - فقال بعضهم : في مال الجاني .

37678 - وقال بعضهم : على عاقلته .

37679 - وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب .

37680 - وأما من جعل قتل المدلجي لابنه خطأ ، فقد أعقل ، لأن الدية لا تغلظ على أحد في الخطأ .

37681 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني مدلج ، قتل ابنه ، فلم يقده منه عمر بن الخطاب ، وأغرمه ديته ، ولم يورثه منه شيئا ، وورث منه أمه ، وأخاه لأبيه .

37682 - قال أبو عمر : هذا أصح إسناد في هذا الخبر .

37683 - وقد اختلف الفقهاء في قتل الرجل ابنه عمدا ، هل يقتص منه أم لا ؟

37684 - فقال مالك : إذا ذبحه ، قتل به وإن خذفه بسيف أو عصا ، لم يقتل به ، وكذلك الجد .

37685 - وهو قول عثمان البتي .

37686 - قال عثمان البتي : إذا قتل ابنه عمدا ، قتل به .

37687 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي : لا يقاد والد بولده ، ولا الجد بابن الابن .

37688 - وقال الحسن بن حي : يقاد الجد بابن الابن ، وتجوز شهادته له ، ولا يقاد الأب بالابن ، ولا تجوز شهادته له .

[ ص: 200 ] 37689 - قال أبو عمر : أكثر العلماء على أن الأب لا يقتل بابنه ، إذا قتله عمدا ، ويقتل الابن عند الجميع بالأب إذا قتله عمدا .

37690 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نصا من حديث عمر وغيره .

37691 - وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " .

37692 - وقد حدثني خلف بن قاسم ، قال حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، قال : أخبرنا بشر بن موسى ، قال : حدثني خلاد بن يحيى المقرئ ، عن قيس بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقام الحدود في المساجد ، ولا يقاد بالولد الوالد " .

37693 - قال أبو عمر : اختلاف أصحاب مالك ، في من تلزمه الدية ، في [ ص: 201 ] قتل الأب ابنه عمدا ، كاختلاف سائر العلماء ، على قولين : ( أحدهما ) : يجب على الأب في ماله ، ( والآخر ) : على العاقلة .

37694 - فقال ابن القاسم : هي على الوالد .

37695 - وقال عبد الملك ، وأشهب ، وسحنون : هي على العاقلة .

37696 - واحتج عبد الملك ، بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لسراقة بن مالك : اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير ، وليس سراقة بالأب ، وإنما هو سيد القوم .

37697 - قال : فهذا يدل أنها كانت على العاقلة .

37698 - وأما قوله ، في حديث مالك : " فنزي في جرحه ، فمات " ، فالمعنى أنه نزى جرحه الذي أصيب به في ساقه إلى نفسه ، فمات وقيل : فمرض من ذلك الجرح مرضا مات منه .

37699 - والمراد من اللفظ مفهوم ، وفي اشتقاقه في اللغة فقد يقال : إنه من النزاء ، والنزاء والنقار علة تأخذ المنز ، فيبول الدم ، ويموت من ذلك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية