الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1621 1619 - قال مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أن رجلا من الأنصار يقال له : أحيحة بن الجلاح ، كان له عم صغير ، هو أصغر من [ ص: 203 ] أحيحة ، وكان عند أخواله ، فأخذه أحيحة فقتله ، فقال أخواله : كنا أهل ثمه ورمه ، حتى إذا استوى على عممه ، غلبنا حق امرئ في عمه .


37708 - قال أبو عمر : أما قول عروة : إن رجلا من الأنصار ، يقال له : أحيحة ، فإنما أراد أن أحيحة من القبيلة والقوم الذين يقال لهم : الأنصار ، في زمنه وهم الأوس والخزرج ، لأن الأنصار اسم إسلامي .

37709 - قيل لأنس بن مالك : أرأيت قول الناس لكم " الأنصار " ، اسم سماكم الله به ، أم كنتم تدعون به في الجاهلية ؟ فقال : بل اسم سمانا الله - عز وجل - به في القرآن .

37710 - وأحيحة لم يدرك الإسلام ، إنه في محل هاشم بن عبد مناف ، وهو الذي خلف على سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار ، بعد موت هاشم عنها ، فولدت له أحيحة ، فهو أخو عبد المطلب بن هشام لأمه ، وقد غلط في أحيحة هذا غلطا بينا بعض من ألف في رجال " الموطأ " فظنه صاحبا ، وهو أحيحة بن الجلاح بن الحريسن بن حجب بن خلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن الأوس ، وزوجته سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار .

37711 - وإنما فائدة حديث عروة هذا ، أن أهل الجاهلية كان منهم من يقتل [ ص: 204 ] قريبه ، ليرثه . . وإنما ذلك كان منهم معروفا ، وعنهم مشهورا ، فأبطل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنته ، وسن لأمته ألا يرث القاتل من قتل ، وهي سنة مجتمع عليها في القاتل عمدا .

37712 - وروى سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير أنه قال : ما ورث قاتل ممن قتل بعد أحيحة بن الجلاح .

37713 - وسفيان ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني ، قال : لم يرث قاتل من قتل بعد صاحب البقرة .

37714 - وذكر الشافعي ، قال : حدثني بندار ، قال : حدثني روح بن عبادة ، قال : حدثني عوف ، عن محمد ، عن عبيدة ، أن صاحب البقرة ، التي كانت في بني إسرائيل كان رجلا ليس له ولد ، وإنما وارثه قتله يريد ميراثه ، فلما ضرب القتيل ببعضها ، أحياه الله - عز وجل - فقيل له : من قتلك ؟ قال : فلان . فلم يورث منه ، ولا ورث قاتل بعده من مقتوله .

37715 - قال عبيدة : وكان الذي قتله ابن أخيه .

37716 - قال الساجي ، قال : وحدثني عبد الجبار ، قال : حدثني سفيان ، عن محمد بن سوقة ، يقول : سمع عكرمة يقول : كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا ، لكل باب قوم يدخلون منه ، فوجدوا قتيلا في سبط من الأسباط ، فادعى . [ ص: 205 ] هؤلاء على هؤلاء ، وهؤلاء على هؤلاء ، ثم أتوا موسى ، يختصمون إليه فقال لهم : " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها ، فذكر الخبر بطوله في ابتياعهم البقرة وتشددهم فيها ، والتشديد عليهم ، حتى اشتروها وذبحوها ، وضربوه بفخذها ، قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي فلان ، وهو وارثي ، فلم يورث منه ، ولم يعط من ماله شيئا .

37717 - ولم يورث قاتل بعده .

37718 - قال أبو عمر : أجمع العلماء ، على أن القاتل عمدا لا يرث من مقتوله ، إلا فرقة شذت عن الجمهور ، كلهم أهل بدع .

37719 - واختلف العلماء ، في ميراث القاتل خطأ ، على ما نذكره بعد إن شاء الله - عز وجل .

37720 - وقول عروة في ذلك : لا يرث قاتل من قتل يعني أن القاتل منع من الميراث ، عقوبة له ، لاستعجاله الميراث من غير وجهه ، لئلا يتطرق الناس إلى الميراث بالقتل ، فكان سبب ذلك قتل أحيحة عمدا ليرثه ، وكان ذا مال كثير ، فكان ما كان من قتل أحيحة لعمه قصدا ، لأخذ ميراثه في الجاهلية سببا إلى منع القاتل من الميراث في الإسلام .

37721 - ومما يشبه قول عروة هذا ، في أن الشيء قد يكون سببا لغيره ، في تحليل وتحريم ، ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - قال : كان تحرجهم من نكاح اليتامى سببا إلى نكاح الأربع ، تريد قول الله عز وجل : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) [ النساء : 3 ] .

[ ص: 206 ] 37722 - وأما قوله : كنا أهل ثمه ورمه . قيل كنا أهل حضانته وتربيته .

37723 - وقيل : أهل قليله وكثيره .

37724 - وقيل : أهل خيره وشره .

37725 - والمعنى قريب من السواء ، لأن الثم في كلام العرب الرطب ، والرم : اليابس .

37726 - وقد روي ثمه ورمه ، بضم الثاء والراء ، والأكثر الفتح فيهما .

37727 - وأما قوله : " غلبنا حق امرئ في عمه " فإنه يقول : غلبنا عليه حق التعصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية