الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
37757 - وقال مالك : القائد والسائق والراكب ، كلهم ضامنون لما أصابت الدابة ، إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له ، وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه بالعقل .

37758 - قال مالك : فالقائد والراكب والسائق أحرى ، أن يغرموا ، من الذي أجرى فرسه .


37759 - قال أبو عمر : على قول مالك هذا في الراكب ، والسائق ، والقائد ، جمهور العلماء .

37760 - وعليه جرى فتيا أئمة الأمصار في الفتيا ، إلا أنهم اختلفوا فيما أصابته برجلها .

[ ص: 212 ] 37761 - فقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا ركب رجل دابة في طريق ، ضمن ما أصابت بيديها ورجليها ، أو كدمت ، أو خبطت ، إلا النفحة بالرجل ، والنفحة بالذنب ، فإنه لا يضمنها .

37762 - وكل ما ضمن فيه الراكب ، ضمن فيه القائد ، والسائق ، إلا أن الكفارة على الراكب ، وليس على السائق ، والقائد كفارة .

37763 - وقال الشافعي : إذا كان الرجل راكبا على دابة ، فما أصابت بيديها ورجليها ، أو فيها ، أو ذنبها ، من نفس أو جرح ، فهو ضامن ، لأن عليه منعها ، في تلك الحال من كل ما يتلف به شيئا .

37764 - قال : وكذلك إذا كان سائقا ، أو قائدا ،

27765 - وكذلك الإبل المقطرة بالبعير ، لأنه قائد لها .

37766 - وقال الشافعي : لا يصح في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " الرجل جبار " لأن الحفاظ لم يحفظوه .

37767 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " طرق الحديث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الرجل جبار " .

37768 - وقال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى : يضمن ما أتلفت الدابة برجلها ، إذا كان عليها ، أو قادها ، أو ساقها ، كما يضمن ما أتلفت بغير رجلها .

37769 - كقول الشافعي سواء .

37770 - وقال الأوزاعي ، والليث بن سعد في هذا الحديث ، كقول مالك : لا يضمن ما أصابت الدابة برجلها من غير صنعه ، ويضمن ما أصابت بيدها ومقدمها ، [ ص: 213 ] إذا كان راكبا عليها ، أو قائدا لها ، أو سائقا .

37771 - وذكر ابن وهب ، عن يونس وابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل قاد هديه ، فأصابت طيرا ، فقتلته ، فقال : إن كان يقودها أو يسوقها ، حتى أصابت الطير فقد وجب عليه جزاء ما قتلت ، وإن لم يكن يقودها ، ولا يسوقها ، فليس عليه جزاء ما أصابت .

37772 - وقال ابن سيرين : كانوا لا يضمنون من النفحة ، ويضمنون من رد العنان .

37773 - وقال شريح ، وحماد : لا يضمن النفحة إلا أن ينخس .

37774 - قال أبو عمر : هذا كقول مالك ، وقد روى سفيان بن حسين الواسطي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الرجل جبار " .

إلا أنه لم يروه عن الزهري إلا سفيان بن حسين الواسطي .

37775 - وقد أشبعنا هذا الباب في " التمهيد " .

37776 - وقال داود ، وأهل الظاهر : لا ضمان على أحد في جرح العجماء ، برجل أو مقدم ، ولا على حال ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل جرحها جبارا ، إلا أن [ ص: 214 ] يحملها على ذلك ، أو يرسلها عليه ، فتكون حينئذ كالآلة ، ويلزمه ضمان ما أفسد بجناية نفسه ، ولا يضمن إلا القاصد إلى الإفساد دون السبب في ذلك ، إلا أن يجمعوا على أمر ، فيسلم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية