الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
37777 - قال مالك : والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق ، أو يربط الدابة ، أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين ، أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين ، فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره ، فما كان من ذلك عقله دون ثلث الدية فهو في ماله خاصة ، وما بلغ الثلث فصاعدا ، فهو على العاقلة ، وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين ، فلا ضمان عليه فيه ، ولا غرم ، ومن ذلك ، البئر يحفرها الرجل للمطر ، والدابة ، ينزل عنها الرجل للحاجة ، فيقفها على الطريق ، فليس على أحد في هذا غرم .


37778 - قال أبو عمر : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " والبئر جبار " . يعني أن من وقع في البئر ، فدمه هدر وليس على حافرها فيه شيء .

37779 - وكذلك لو وقعت في البئر دابة لأحد ، إلا أن ذلك على ما قاله مالك - رحمه الله - إذا حفرها في موضع له حفرها فيه ، ولم يكن بالحفر لها في ذلك الموضع متعديا ، وذلك أن يحفرها في ما يملكه من الأرض ، ولا ضرر فيه على غيره ، أو في مالا ملك لأحد فيه ، ولا يضر بأحد ، ونحو هذا .

37780 - وقال ابن القاسم ، عن مالك : له أن يحدث في الطريق بئرا للمطر ، والمرحاض يحفره إلى جانب حائطه والميزاب والظلة ، ولا يضمن ما عطب بذلك .

[ ص: 215 ] 37781 - قال : وما حفره في الطريق مما لا يجوز له حفره ، ضمن ما أعطب به .

37782 - قال مالك : وإن حفر بئرا في داره لسارق يرصده ليقع فيها ، أو وضع به حبالات ، أو شيئا مما يتلفه به ، فعطب به السارق ، فهو ضامن ، وكذلك إن عطب غير السارق .

37783 - وقال الليث : من حفر بئرا في داره ، أو طريق ، أو في رحبة له ، فوقع فيها إنسان ، فإنه لا يضمن ما حفر في داره أو في رحبة لا حق لأحد فيها .

37784 - قال : فإن ربط بعيرا أو دابة على طريق ، فعقرت على رباطها وانفلتت ، فإن كان ذلك من شأنها معلوما فعسى أن يضمن وإن كان ذلك شيئا لم يكن منها في ما خلا ، فلا أرى عليه شيئا .

37785 - وقال الشافعي : من وضع حجرا في أرض لا يملكها ضمن ما عطب به .

37786 - قال : ولو حفر في صحراء ، أو في طريق واسع ، فعطب به إنسان ، فلا شيء عليه ، كما لو وضعه في ملكه .

[ ص: 216 ] 37787 - وفي موضع آخر للمزني وقال الشافعي : ولو أوقف دابته في موضع ليس له أن يوقفها فيه ، ضمن ، ولو أوقفها في ماله ، لم يضمن .

37788 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : من أوقف دابته في الطريق ، مربوطة أو غير مربوطة ضمن ما أصابت بأي وجه ما أصابت .

37789 - وقالوا : يضمن كل ما كان العطب فيه من سببه ، وفي موضع يجوز له أن يحدثه فيه أو لا يجوز .

37790 - قالوا : وليس يبرئه ما جاز إحداثه له من الضمان ، كراكب الدابة ، يضمن ما عطب بها ، وإن كان له أن يتركها ويسير عليها .

37791 - قال أبو عمر : لم يختلفوا أنه يضمن في ما ليس له أن يحدثه وإنما اختلفوا في ما له أن يحدثه في غير ملكه .

37792 - قال أبو عمر : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث معمر ، عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " النار جبار " .

37793 - وقال يحيى بن معين : أصله البئر ، ولكن معمر صحفه .

37794 - قال أبو عمر : لم يأت ابن معين على قوله هذا بدليل ، وليس هكذا ترد أحاديث الثقات .

[ ص: 217 ] 37795 - وذكر وكيع ، عن عبد العزيز بن حصين ، عن يحيى بن يحيى الغساني ، قال : أحرق رجل تبنا في مراح ، فخرجت شرارة من نار حتى أحرقت شيئا لجاره قال : فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلي : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " العجماء جبار " وأرى أن النار جبار .

37796 - قال أبو عمر : روي عن علي - رضي الله عنه - في فارسين اصطدما ، فمات أحدهما : يضمن الحي للميت .

وروي عن إبراهيم وحماد ، وعطاء ، فيمن استعان صبيا بغير إذن أهله ، أو مملوكا بغير إذن مولاه ، ضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية