الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1623 [ ص: 232 ] ( 19 ) باب ما جاء في الغيلة والسحر

1621 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب قتل نفرا ، خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة ، وقال عمر : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا .


37889 - قال أبو عمر : هذا الخبر عند أهل صنعاء موجود معروف .

37890 - ذكره عبد الرزاق من وجوه ، منها :

37891 - قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرنا زياد بن جبل عمن شهد ذلك ، قال : كانت امرأة من صنعاء لها ربيب ، فغاب عنها زوجها ، وكان ربيبها عندها وكان لها خليل ، فقالت : إن هذا الغلام فاضحنا ، فانظروا كيف تصنعون به ، فتمالؤوا عليه وهم سبعة مع المرأة ، قالت : قلت : كيف تمالؤوا عليه ؟ قال : لا أدري غير أن أحدهم أعطاه شفرة ، قال : فقتلوه ، وألقوه في بئر بغمدان .

37892 - قال ففقد الغلام ، فخرجت امرأة أبيه تطوف على حمار - وهي التي قتلته مع القوم وهي تقول : اللهم لا تخف دم أصيل .

[ ص: 233 ] 37893 - قال : وخطب يعلى الناس فقال : انظروا هل تحسون بهذا الغلام أو يذكر لكم .

37894 - قال : فمر رجل ببئر غمدان بعد أيام ، فإذا هو بذباب أخضر يطلع مرة من البئر ، ويهبط أخرى ، فأشرف على البئر ، فوجد ريحا أنكرها فأتى يعلى ، فقال : ما أظن إلا قد قدرت لكم على صاحبكم ، وأخبره الخبر ، قال : فخرج يعلى حتى وقف على البئر والناس معه ، قال : فقال الرجل الذي قتله صديق المرأة : دلوني بحبل ، فدلوه فأخذ الغلام فغيبه في سرب من البئر ، ثم قال : ارفعوني ، فرفعوه ، وقال : لم أقدر على شيء ، فقال القوم : الريح الآن أشد منها حين جئنا ، فقال رجل آخر : دلوني ، فلما أرادوا أن يدلوه ، أخذت الآخر رعدة ، فاستوثقوا منه ، ودلوا صاحبهم ، فلما هبط فيها ، استخرجه فرفعوه إليهم ، ثم خرج ، فاعترف الرجل خليل المرأة ، واعترفت المرأة ، واعترفوا كلهم ، فكتب فيهم يعلى إلى عمر ، فكتب إليه : أن اقتلهم ، فلو تمالأ عليهم أهل صنعاء لقتلتهم ، قال : فقتل السبعة .

37895 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة ، أن امرأة كانت باليمن ، لها سبعة أخلاء ، فقالت : لا تستطيعون ذلك منها حتى تقتل ابن بعلها ، فقالوا : أمسكيه لنا عندك ، فأمسكته ، فقتلوه عندها ، وألقوه في بئر ، فدل عليه الذباب ، فاستخرجوه ، فاعترفوا بقتله ، فكتب يعلى بن أمية بشأنهم إلى عمر بن الخطاب ، فكتب عمر : أن اقتل المرأة وإياهم ، فلو قتله أهل صنعاء أجمعون ، قتلتهم به .

[ ص: 234 ] 37896 - وقال ابن جريج : أخبرني عمر ، أن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى يخبر هذا الخبر قال : اسم المقتول أصيل ، وذكر معنى ما تقدم .

37897 - قال أبو عمر : روى حديث مالك في هذا الباب سفيان الثوري ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ، فلم يقل فيه : قتلوه قتل غيلة .

37898 - وروى وكيع ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل ، وقال : لو اشترك فيه أهل صنعاء ، لقتلهم .

37899 - ولم يذكر غيلة .

37900 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن يحيى ، عن سعيد بن المسيب ، قال : رفع إلى عمر سبعة ، لم يقل فيه أنهم قتلوه قتل غيلة .

37901 - وكذلك رواية ابن نمير ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب .

37902 - قال الثوري : وأخبرنا منصور ، عن إبراهيم ، عن عمر مثله .

37903 - قال سفيان : وبه نأخذ ، فلم يذكر فيه قتل غيلة غير مالك ، والله أعلم .

37904 - والقصة وقعت بصنعاء ، وعالم صنعاء معمر ومن أخذ عنه قد ذكروا الخبر على غير قتل الغيلة .

37905 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد ، فقال : جماعة فقهاء الأمصار ، منهم الثوري ، والأوزاعي ، والليث ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : تقتل الجماعة بالواحد إذا [ ص: 235 ] قتلوه ، كثرت الجماعة أو قلت ، إذا اشتركت في قتل الواحد .

37906 - ويروى ذلك عن عمر ، وعلي ، والمغيرة بن شعبة ، وابن عباس ، - رضي الله عنهم .

37907 - وبه قال إبراهيم ، والشعبي ، وقتادة ، وأبو سلمة ، والحسن ، وسليمان بن موسى .

37909 - وقال داود : لا تقتل الجماعة بالواحد ، ولا يقتل بنفس واحدة أكثر من واحد .

37910 - وهو قول ابن الزبير .

37911 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال كان ابن الزبير ، وعبد الملك ، لا يقتلان منهم إلا واحدا وما علمت أحدا يقتلهم جميعا ، إلا ما قالوا في عمر .

37912 - وروي ذلك عن معاذ بن جبل .

37913 - ذكر أبو بكر ، قال حدثني عبيد الله بن موسى ، عن حسن بن صالح عن سماك عن دهل بن كعب أن معاذا قال لعمر : ليس لك أن تقتل نفسين بنفس [ ص: 236 ] واحدة .

37914 - وبه قال محمد بن سيرين ، وابن شهاب ، والزهري ، وحبيب بن أبي ثابت .

37915 - قال معمر ، عن الزهري : لا يقتل الرجلان بالرجل ، ولا تقطع يدان بيد .

37916 - قال أبو عمر : اضطرد قول الزهري ، وداود ، في أنه لا تقطع يدان بيد ، ولا يقتل رجلان برجل .

37917 - وكذلك اضطرد قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، في أنه تقطع باليد الواحدة يدان وأكثر ، إذا اشتركوا في قطع اليد الواحدة ، كما تقتل الجماعة بالواحد ، إذا قتلوه معا .

37918 - وتناقض أبو حنيفة وأصحابه ، فقالوا : لا تقطع يدان بيد وكذلك سائر الأعضاء .

37919 - وهو قول الثوري .

37920 - وهم يقولون : إن الجماعة تقتل بالواحد ، ومن حجتهم أن النفس لا تتجزأ ، واليد وسائر الأعضاء تتجزأ ، وإنما قطع كل واحد منهم بعض العضو ، فمحال أن يقطع منه عضو كامل ، ولم يقطعه كاملا .

التالي السابق


الخدمات العلمية