الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 271 ] ( 22 ) باب العفو في قتل العمد . 1625 - مالك ، أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل [ ص: 272 ] إذا أوصى أن يعفى عن قاتله ، إذا قتل عمدا : إن ذلك جائز له ، وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده .


38144 - قال أبو عمر : أكثر العلماء يقولون : إن المقتول يجوز عفوه عن دمه العمد ، وإن قتل خطأ ، جاز له العفو عن الدية في ثلثه ، إن حملها الثلث ، وإلا فما حمل منها الثلث ، وأن ديته كسائر ماله ، يورث عنه ، وأن المقتول عمدا أولى بدمه من أوليائه ، مادام حيا في العفو عنه ، كما قال مالك - رحمه الله .

38145 - وممن قال : إن للمقتول أن يعفو عن دمه ، ويجوز على أوليائه . وورثته كقول مالك ، الحسن البصري ، وطاوس اليماني ، وقتادة ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة وأصحابهم .

[ ص: 273 ] 38146 - وهو أحد قولي الشافعي .

38147 - وقال بالعراق : عفوه باطل ، لأن الله - عز وجل - جعل السلطان لوليه ، فله العفو والقصاص إن شاء ، أو الدية ، ولا يجوز ذلك إلا بموته .

38148 - وبه قال أبو ثور ، وداود .

38149 - وهو قول الشعبي ، ذكر أحمد بن حنبل ، قال : حدثني هشيم ، قال : أخبرنا محمد بن سالم ، عن الشعبي ، في الرجل يقتل الرجل ، فيعفو عن قاتله قبل موته ، قال : لا يجوز عفوه ، وذلك لأوليائه .

38150 - قال أبو عمر : قول مالك ، ومن تابعه في هذه المسألة صحيح ، وليس قول الشافعي في العراق بشيء ، لأن الولي لا يقوم إلا بما كان للمقتول القيام به ، ولولا استحقاق المقتول بدم نفسه ، ما كان لوليه القيام فيه ، قال الله - عز وجل : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) [ المائدة : 45 ] .

38151 - ولم يختلف العلماء أن المتصدق هاهنا هو المقتول يتصدق بدمه على قاتله ، أي يعفو عنه .

38152 - واختلفوا في الضمير الذي في قوله : ( كفارة له ) [ المائدة : 45 ] ، فقال بعضهم : كفارة للمقتول .

38153 - وقال بعضهم : كفارة للقاتل .

38154 - وقال زيد بن أسلم : من استقيد منه ، أو عفي عنه ، أو أخذت منه الدية ، فهو كفارة له .

38155 - وروى ابن عيينة ، عن عمران بن ظبيان ، عن عدي بن ثابت ، عن [ ص: 274 ] رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من تصدق بدم ، أو دونه ، كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق " .

38156 - وعن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة ، قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس ، فقال - صلى الله عليه وسلم : " بايعوني . . " فقرأ عليهم الآية ، قال " فمن عفا منكم فأجره على الله ، ومن أصابه من ذلك شيء ، فعوقب به ، فهو كفارة له ، ومن أصابه من ذلك شيء ، فستره الله عليه ، فهو إلى الله - عز وجل - إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له " .

38157 - وقال سفيان بن عيينة : " العفو كفارة للجارح والمجروح " .

38158 - قال سفيان : كان يقال : إن قتل فهي توبته ، وإن أعطى الدية ، فهي [ ص: 275 ] توبته ، وإن عفي عنه ، فهي توبته ، في الرجل عمدا .

38159 - قال أبو عمر : هو قول زيد بن أسلم ، ومجاهد ، وفرقة .

38160 - واختلف فيه عن ابن عباس ، والأشهر عنه ، وعن زيد ، وابن عمر ، أنه لا توبة له .

38161 - وأما الرواية عن السلف الذين قال مالك بقولهم في ذلك ، فحدثني أحمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عبد الله ، قال : حدثني بقي ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني محمد بن بشر ، قال : حدثني سعيد ، عن قتادة ، أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله - عز وجل - فرماه رجل منهم بسهم ، فمات ، فعفا عنه ، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاز عفوه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " هو كصاحب ياسين " .

38162 - وروى الثوري ، عن يونس ، عن الحسن ، في الذي يضرب بالسيف عمدا ، ثم يعفو قبل أن يموت ، قال : ذلك جائز ، وليس في الثلث .

38163 - ومعمر ، وابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : إذا تصدق الرجل بدمه ، فهو جائز ، قلت : في الثلث ؟ قال : بل في ماله كله .

38164 - ورواه ابن عيينة ، قال : قلت لابن طاوس : ما كان أبوك يقول في الرجل يتصدق بدمه على قاتله عند موته ؟ قال : كان يقول هو جائز ، قلت : خطأ [ ص: 276 ] كان أو عمدا ؟ قال : خطأ كان أو عمدا .

38165 - قال : واختلفوا في العفو عن الجراحات ، وما يئول إليه إذا مات المجروح منها .

38166 - فقال مالك : إذا عفا عن الجراحة فقط ، كان لأوليائه القود أو الدية ، ولو قال : قد عفوت عن الجراحة وما تئول إليه ، أو قال : إن مت منها ، فقد عفوت . صح عفوه ولم يتبع الجاني بشيء .

38167 - وهو قول زفر .

38168 - قال أبو يوسف ، ومحمد ، إذا عفا عن الجراحة ، ومات ، فلا حق له ، والعفو على الجراحة عفو لما يئول إليه أمرها .

38169 - وقال الثوري : إذا عفا عن الجراحة ، ومات ، لم يقتل ويؤخذ بما فضل من الدية .

38170 - وهو أحد قولي الشافعي ، أن الجراحة كانت موضحة ، فسقط بعفوه عنها نصف عشر الدية ، والآخر عفوه باطل ، وذلك إلى الولي .

38171 - وبه قال أبو ثور ، وداود .

38172 - وقال أبو حنيفة : من قطعت يده ، فعفا ، ثم مات بطل العفو ، [ ص: 277 ] ووجبت الدية .

38173 - وقال الشافعي بمصر : إذا قال : قد عفوت عن الجراحة ، وعن ما يحدث منها من عقل وقود ، ثم مات منها ، فلا سبيل إلى القود ، وينظر إلى أرش الجناية ، فقال : فيها قولان ;

38174 - أحدهما : أن عفوه جائز من ثلثه ، ويسقط عنه أرش الجراحة ، ويؤخذ بالباقي من الدية .

38175 - والقول الثاني : أنه يؤخذ بجميع الدية ، لأنها صارت نفسا ، وهذا قاتل ، لا تجوز له وصية بحال ، واختاره المزني .

التالي السابق


الخدمات العلمية