الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
38240 - قال مالك : ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه ، فيقاد منه ، فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح ، فهو القود ، وإن زاد جرح المستقاد منه أومات ، فليس على المجروح الأول المستقيد شيء ، وإن برأ جرح المستقاد منه ، وشل المجروح الأول ، أو [ ص: 288 ] برأت جراحه وبها عيب أو نقص أو عثل ، فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية ، ولا يقاد بجرحه .

قال : ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول ، أو فسد منها ، والجراح في الجسد على مثل ذلك .


38241 - قال أبو عمر : أما قوله : لا يقاد من جرح حتى يبرأ ، فعلى هذا مذهب جمهور العلماء ، إلا أن الشافعي أجاز ذلك إذا رضي به المجروح ، وطلبه على إسقاط ما يؤول إليه جرحه من القتل والعيب .

38242 - وقد تقدمت هذه المسألة ، فلا معنى لإعادتها .

38243 - وأما قوله : فإن زاد جرح المستقاد منه ، فليس على المستقيد شيء ، فقد اختلف العلماء في المقتص منه من الجراح ، يموت من ذلك :

38244 - فقال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا شيء على المقتص له .

38245 - وروي عن عمر ، وعلي - رضي الله عنهما - مثل ذلك ، وقالا : الحق قتله ، لا دية له .

38246 - وهو قول الحسن ، وابن سيرين .

38247 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود .

38248 - وقال أبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، إذا اقتص من يد ، أو شجة ، فمات المقتص منه ، فديته على عاقلة المقتص له .

[ ص: 289 ] 38249 - وهو قول حماد بن أبي سليمان ، وطاوس ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، والحارث العكلي ، وعامر الشعبي ، إلا أن الشعبي ، قال : الدية هنا على العاقلة .

38250 - وكذلك قال الزهري .

38251 - وقال أبو حنيفة : في ماله .

38252 - وقال عثمان البتي ، في الذي يقتله القصاص : يدفع الذي اقتص له قدر تلك الجراحة ، وما بقي من ديته ففي مال المقتص ، فإن كان عبدا ، فما بقي من ثمنه ففي ماله .

38253 - وهو قول عبد الله بن مسعود .

38254 - وبه قال إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة .

38255 - قال أبو عمر : قد أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده ، أنه لا شيء فيه ، لأنه قطع بحق ، وكذلك المقتص منه في القياس .

38256 - وحجة أبي حنيفة أن إباحة الأخذ لا تسقط الضمان في المال ، كما لو رمى غرضا مباحا ، فأصاب إنسانا ، أو أدب امرأته بما يجب له ، فتولد منه موتها ، أنه لا يسقط الدية عنه ، وكذلك المقتص له .

التالي السابق


الخدمات العلمية