الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1629 [ ص: 291 ] ( 24 ) باب ما جاء في دية السائبة وجنايته . 1628 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن سليمان بن يسار ، أن سائبة أعتقه بعض الحجاج ، فقتل ابن رجل من بني عائذ ، فجاء العائذي ، أبو المقتول ، إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه ، فقال عمر : لا دية له ، فقال العائذي : أرأيت لو قتله ابني ؟ فقال عمر : إذا ، تخرجون ديته ، فقال : هو ، إذا ، كالأرقم ، إن يترك يلقم ، وإن يقتل ينقم .


38264 - قال أبو عمر : ليس هذا الحديث عند أكثر رواة " الموطأ " وسقط من رواية يحيى صفة قتله ، وقتله كان خطأ ، لا خلاف في ذلك بين العلماء ، لأن العاقلة لا تحمل إلا عقل الخطأ ، ولما لم يكن للمعتق سائبة عاقلة ، لم يوجب له عمر شيئا ، والعلماء مختلفون في ذلك .

38265 - وأما أهل الظاهر ، وداود وأصحابه ، فإنهم لا عاقلة عندهم إلا العصبة خاصة دون الموالي ، ودون الخلفاء وغيرهم .

38266 - ومن قتل مؤمنا خطأ ، ولا عصبة له ، فلا شيء عندهم عليه غير الكفارة .

[ ص: 292 ] 38267 - وأما سائر أهل العلم ، فمن قال : إن ولاء السائبة للذي أعتقه ، جعل الدية على عاقلته وعصبته ، لأنهم يرثون عنه ولاءه ، ويرثونه ويرثون مواليه ، فهم عاقلته .

38268 - ومن قال : ولاء السائبة لجماعة المسلمين ، يرى الدية في بيت مال المسلمين .

38269 - ومن قال : إن للسائبة أن يوالي من شاء ، رأى أن الذي يواليه يقوم مقام معتقه ، وحكمه وحكم عصبته حكمه .

38270 - وقد ذكرنا في كتاب الولاء اختلاف العلماء في ولاء المعتق سائبة .

38271 - وهذه المسألة متعلقة بذلك الباب ، والله الموفق للصواب .

38272 - وقد روي عن عمر خلاف ما روي عن سليمان بن يسار في هذا الخبر .

38273 - ذكر وكيع ، قال : حدثني ربيعة بن عثمان التيمي عن سعد بن إبراهيم ، أن أبا موسى ، كتب إلى عمر ، أن الرجل يموت قبلنا ، وليس له رحم ولا ولاء . قال : فكتب إليه عمر ، إن ترك ذا رحم ، فالرحم ، وإلا فالولاء ، وإلا فبيت مال المسلمين ، يرثونه ويعقلون عنه .

38274 - وكيع قال : حدثني سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، في الرجل يسلم وليس له مولى ، قال : ميراثه للمسلمين ، وعقله عليهم .

[ ص: 293 ] 38275 - قال : وحدثني سفيان ، عن يونس ، عن الحسن مثله .

38276 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : إذا أسلم الرجل على يدي الرجل ، فله ميراثه ، ويعقل عنه .

38277 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال ، في السائبة يعقل عنه المسلمون ، ويرثه المسلمون ، وليس مواليه منه في شيء .

38278 - قال : وأخبرنا معمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : المعتق سائبة يعقل عنه مولاه ، ويرثه مولاه .

38279 - وقال الحارث الأعور : سألت عليا - رضي الله عنه - عن سائبة قتل رجلا عمدا ، قال : يقتل به ، وإن قتل خطأ نظر ، هل عاقد أحدا ، فإن كان عاقدا أحدا ، أخذ أهل عقده ، وإن لم يعاقد أحدا ، أدي عنه من بيت مال المسلمين .

38280 - وقال عبد الرزاق : أخبرنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن سليمان بن يسار ، أن سائبة أعتقه بعض الحاج ، فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ ، فقتل السائبة العائذي ، فجاء أبوه عمر بن الخطاب يطلب دم ابنه ، فأبى عمر أن يديه ، قال ليس له مال : فقال العائذي : أرأيت لو كان ابني قتله ؟ قال عمر : إذن تخرجون ديته ، قال : فهو إذن كالأرقم ، إن يترك يلقم ، وإن يقتل ينقم .

[ ص: 294 ] 38281 - ففي رواية عبد الرزاق في قوله : " فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ " ما يدل على ما ذكرنا من قتل الخطأ .

38282 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : زعم لي عطاء ، أن سائبة من سيب مكة أصاب إنسانا ، فجاء عمر بن الخطاب ، فقال : ليس لك شيء ، فقال : أرأيت لو شججته ؟ قال : إذن آخذ له منك حقه ، قال : ولا تأخذ لي منه ؟ قال : لا ، قال : هو إذن كالأرقم ، قال : إن تتركوني ألقم ، وإن تقتلوني أنقم ، فقال عمر : هو كالأرقم .

38283 - قال أبو عمر : الأرقم : الحية الذكر العادي على الناس ، إن تركه الذي يراه ، التقمه ، وإن قتله ، انتقم له الذي انتقم للفتى الشاب من الحية . . . . . التي وجدها على فراشه ، فغرز رمحه فيها ، ورفعها فجعلت تضطرب في رأس الرمح ، وخر الفتى ميتا ، في حديث مالك عن صيفي ، ويأتي في الجامع ، إن شاء الله - عز وجل .

التالي السابق


الخدمات العلمية