الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1642 1641 - مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن أبي زهير أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تفتح اليمن ، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشام ، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون [ ص: 27 ] فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " .


38564 - قال أبو عمر : هذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الغيب الذي أخبر به قبل وقوعه ، فكان كما قال - عليه السلام - فتحت بعده تلك البلدان ، وتحمل إليها كثير من ساكني المدينة ممن كان معه في حياته صلى الله عليه وسلم .

38565 - وأما قوله عليه السلام : " يبسون " . فيروى بفتح الياء وكسر الباء وضمها أيضا .

38566 - وهذه رواية ابن القاسم ، وابن بكير ، ويحيى من رواة " الموطأ " .

38567 - وقال ابن القاسم ، عن مالك : يبسون : يدعون .

38568 - وقال ابن بكير : معناه يسيرون من قوله - عز وجل - : " وبست الجبال بسا " [ الواقعة : 5 ] .

38569 - ورواه ابن وهب " يبسون " بضم الياء من الرباعي ، وفسره فقال : يزينون لهم الخروج .

[ ص: 28 ] 38570 - وكذلك رواه ابن حبيب ، عن مطرف ، وفسره بنحو ذلك فقال : يزينون لهم البلد الذي جاءوا منه ، ويحببونه إليهم ، ويدعونهم إلى الرحيل إليه من المدينة ، وذلك مأخوذ من إلباس الحلوبة عند حلابها كي تدر باللبن ، وهو أن يجر يده على وجهها وصفحة عنقها أنه يزين ذلك عندها .

38571 - قال أبو عمر : وأما قوله : " والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " . فالخير هاهنا من طريق الفضل لأن سكنى المدينة للصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي الصلاة فيه خير من الصلاة فيما سواه من المساجد ، وأفضل بألف درجة إلا المسجد الحرام .

38572 - ولم يذكر في حديث سفيان بن أبي زهير هذا مكة ، وقد علم أنها ستفتح عليه كما تفتح الشام والعراق واليمن بعده لأن مكة ليست كغيرها لأن الهجرة على أهلها خاصة فرضا أن لا ينصرف أحد من مهاجريها إليها أبدا ، ولا يستوطنها ، ولا ينزلها إلا حاجا أو معتمرا ، وعلى ذلك انعقدت البيعة للأنصار ، إلا أن من لم يسلم من أهلها إلا يوم الفتح أو بعده ليس ممن وصفنا حكمه .

38573 - وقد أوضحنا هذا المعنى في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية