الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
224 5615 - وفي حديث هذا الباب الذي رواه مالك عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

195 - " إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس .


5616 - فأخبر أن الشيطان لبس عليه ; فلذلك يرغمه بالسجدتين ; لأنه يقال : ليس على الشيطان عمل أثقل ولا أصعب من سجود ابن آدم لربه ، وذلك - والله أعلم - لما لحقه من سخط الله عند امتناعه من السجود لآدم ، وإنما جاز لهذا ومن كان مثله سجود السهو عند البناء على يقينه ; لأنه شيء لا ينفك عنه ، يعتريه أبدا ، ولا يؤمن عليه فيما يقضيه أن ينوبه مثل ما نابه ; إذ قد علم من نفسه أنه لا يسلم من الوسوسة في ذلك .

[ ص: 400 ] 5617 - ولذلك أردف مالك حديثه المسند في هذا الباب بما بلغه عن القاسم بن محمد أن رجلا سأله ، فقال : إني أهم في صلاتي ، فيكثر ذلك علي ، فقال القاسم : امض في صلاتك ، فإنه لن يذهب عنك حتى تنصرف وأنت تقول : ما أتممت صلاتي .

5618 - قال أبو عمر : هذا عندي فيمن يغلب عليه أنه يعتريه ذلك مع إتمام صلاته ، وأن تلك الوسوسة قد علم من نفسه فيها أنها تعتريه ، وقد أكمل ما عليه من العمل في الأغلب ، وأنه لا ينفك منها ، والأغلب عنده أنها وسوسة تنوبه مع حاله تلك ، ولم يكن يعرف من نفسه قبل أن يعتريه ذلك إلا الإتمام . والله أعلم .

5619 - وأما من كان الأغلب عليه أنه لم يكمل صلاته فالحكم فيه أن يبني على يقينه ، فإن اعتراه ذلك فيما يبني - لها أيضا عنه على ما جاء عن القاسم وغيره . ويدلك على أن حديث هذا الباب غير حديث البناء على اليقين أن أبا سعيد الخدري هو الذي روى فيمن لم يدر : أثلاثا صلى أم أربعا - أن يصلي ركعة وهو على البناء على اليقين في أصل فرضه ألا يخرج عنه إلا بيقين .

5620 - وقد ذكرنا في الباب قبل هذا عند ذكر حديث مالك عن زيد بن أسلم في البناء على اليقين - من قال من العلماء بالتحري في معنى هذا الحديث أيضا ، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا .

[ ص: 401 ] 5621 - وقد روى أبو سعيد عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص ; فليسجد سجدتين وهو قاعد ، فإذا أتاه الشيطان ، فقال : إنك أحدثت ، فليقل : كذبت ، إلا أن يجد ريحا بأنفه ، أو صوتا بأذنه " .

5622 - رواه يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض ، عن أبي سعيد الخدري . وقد أسندناه في التمهيد .

5623 - فهذا أبو سعيد الخدري قد روى في هذا المعنى مثل ما روى أبو هريرة ، وحصل في ذلك عن أبي سعيد حديثان .

5624 - ومحال أن يكون معناهما واحدا باختلاف ألفاظهما ، بل لكل واحد منهما موضع ، وهو ما ذكرنا من أن هذا في الذي يعتريه الشك دأبا لا ينفك منه قد استنكحه ، ومع ذلك فقد أتم في أغلب ظنه عند نفسه .

5625 - والحديث الآخر على من لم يدر : أثلاثا صلى أم أربعا - مثل حديث عبد الرحمن بن عوف .

5626 - وقد ذكرنا أسانيدها كلها في التمهيد .

5627 - وبمعنى ما ذكرنا فسر الليث بن سعد حديث هذا الباب ، حكاه عنه ابن وهب ، وهو قول مالك وأصحابه .

5628 - وذكر عيسى بن دينار في كتاب الصلاة من كتاب " المدونة " عن ابن القاسم ، عن مالك ، قال : إذا كثر السهو على الرجل ، ولزمه ذلك ، ولا يدري أسها أم لا - سجد سجدتي السهو بعد السلام .

[ ص: 402 ] 5629 - ثم قيل لابن القاسم : أرأيت رجلا سها في صلاته ، ثم نسي سهوه ، فلا يدري ، أقبل السلام أم بعده ؟

5630 - قال : يسجد قبل السلام .

5631 - قال أبو مصعب : من استنكحه السهو فليله عنه ، وليدعه ، ولو سجد بعد السلام لكان حسنا .

5632 - ومذهب الشافعي فيمن وصفنا حاله أن يسجد قبل السلام ، ولا حرج عند مالك وأصحابه لو سجد قبل السلام .

5633 - وقد ذكرنا في التمهيد من قال من أصحاب ابن شهاب في هذا الباب : فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين قبل السلام . وذكرنا حديث عبد الله بن جعفر عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية