الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1647 1646 - ذكر مالك عن يونس بن يوسف ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجئوا ثعلبا إلى زاوية ، فطردهم عنه .

قال مالك : لا أعلم إلا أنه قال : أفي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هذا ؟ .

1647 - مالك عن رجل قال : دخل علي زيد بن ثابت وأنا بالأسواف قد اصطدت نهسا فأخذه من يدي فأرسله .


[ ص: 40 ] 38616 - قال أبو عمر : الأسواف موضع بناحية البقيع من المدينة ، وهو موضع صدقة زيد بن ثابت وماله .

38617 - والنهس : طائر يقال : إنه الصرد . وقيل : إنه يشبه الصرد ، وليس بالصرد وهو أصغر من الصرد ، مثل القطامي والباشق . وقيل : إنه اليمام والله أعلم .

38617 م - ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني إسماعيل بن أويس قال : حدثني أبي ، عن شرحبيل بن سعد ، أنه خرج هو وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت بحبالتين لهما إلى الأسواف ، صدقة زيد بن ثابت قال : ونحن غلمان ، فصاد عبد الرحمن طائرا قال له : النهس ، فشكله قال : فدق زيد بن ثابت باب الحائط ، فناولني عبد الرحمن النهس ، فدخل زيد بن ثابت ، فرأى معي النهس ، فقال : أصدتم هذا ؟ فقلت : نعم . فقال : ناولنيها ، فناولته إياه ، فحل شكاله ، وسوى ريشه ، ثم أرسله ، ثم تناول يدي فصك قفاي ، ثم قال : يا خبيث ، أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصاد بين لابتي المدينة ؟ .

38618 - قال أبو عمر : والرجل الذي لم يسمه مالك في حديث زيد بن ثابت يقولون : هو شرحبيل بن سعد ، كان مالك لا يرضاه ، فلم يسمه ، [ ص: 41 ] والحديث محفوظ لشرحبيل بن سعد من وجوه .

38619 - ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني نصر بن علي قال : أخبرنا الأصمعي قال : أخبرنا مالك ، عن رجل قال أصبت نهسا بالأسواف ، فأخذه زيد بن ثابت فأرسله .

38620 - قال الأصمعي : فحدثت به نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، فقال : ذلك شرحبيل بن سعد ، أنا سمعته منه .

38621 - قال إسماعيل : وحدثني مسدد قال : حدثني حماد بن زيد ، عن عبد الله بن عمر ، عن شرحبيل بن سعد قال : أصبت طائرا بالمدينة ، فرآني زيد بن ثابت ، فانتزعه مني فأرسله .

38622 - قال إسماعيل : وحدثني علي ابن المديني قال حدثني سفيان ، عن زياد بن سعد الخراساني قال : سمعت شرحبيل بن سعد يقول : أتانا زيد بن ثابت ونحن غلمان نلعب في حائط له ومعنا فخاخ ننصب بها ، فصاح بنا وطردنا ، وقال : ألم تعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم صيدها يعني المدينة .

38623 - قال إسماعيل وحدثني إبراهيم بن عبد الله الهروي قال : حدثني ابن أبي الزناد ، عن شرحبيل بن سعد أن زيد بن ثابت وجده قد اصطاد [ ص: 42 ] طائرا يقال له : نهس في الأسواف قال : فأخذه مني فأرسله وضربني ، وقال : يا عدو الله ، أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم ما بين لابتيها يعني المدينة .

38624 - قال إسماعيل : قال مالك : تحريم الصيد ما بين لابتي المدينة ، وتحريم الشجر بريد في بريد .

38625 - ومن غير رواية مالك في تحريم المدينة روى سليمان بن بلال ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن زينب بنت كعب بن عجرة ، عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم ما بين لابتي المدينة ، وأنه حرم شجرها أن يعضد .

38626 - قالت زينب : فكان أبو سعيد يضرب بنيه إذا صادوا فيها ، ويرسل الصيد .

38627 - وروى سعد بن أبي وقاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من وجدتموه يصيد في حدود المدينة ، أو يقطع شجرها ، فخذوا سلبه " . وأخذ سعد سلب من فعل ذلك .

38628 - قال أبو عمر : هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فهموا معنى تحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمدينة ، واستعملوا ذلك ، وأمروا به ، فأين المذهب عنهم ؟ بل الرشد كله في اتباعهم ، واتباع السنة التي نقلوها وفهموها وعملوا بها .

38629 - وقال مالك : لا يقتل الجراد في حرم المدينة ، وكان يكره ما قتل الحلال من صيد المدينة .

38630 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : صيد المدينة غير محرم ، وكذلك قطع شجرها .

[ ص: 43 ] 38631 - واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل دارهم فقال : " يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ " . وأبو عمير أخ صغير كان لأنس وكان له نغر يلعب به .

38632 - وهذا لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون النغر صيد في غير حرم المدينة .

38633 - واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت : كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحش ، فإذا خرج لعب واشتد ، وأقبل وأدبر ، فإذا أحس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربض ولم يتزمزم كراهية أن يؤذيه .

38634 - وهذا الحديث أيضا معناه معنى حديث أبي عمير في النغير .

38635 - وأما حجة من احتج لسقوط التحريم لصيد المدينة بسقوط الجزاء في صيدها ففاسدة ؛ لأن الجزاء فيما ذكره العلماء ، لم يكن في صيد مكة إلا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، ولم يكن على من كان من قبلنا جزاء في صيد مكة ، ونزعوا بقول الله تعالى : " ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد " [ المائدة : 94 ] . وقوله : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " [ سورة المائدة : الآية 95 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية