الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1665 1666 - مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال : كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز ، فقال : ما رأيك في هؤلاء القدرية ؟ فقلت ، رأيي أن تستتيبهم ، فإن تابوا ، وإلا عرضتهم على السيف ، فقال عمر بن عبد العزيز : وذلك رأيي .

قال مالك : وذلك رأيي .


[ ص: 103 ] 38852 - قال أبو عمر : هو مذهب عمر بن عبد العزيز ، وقد زعم قوم ، أنه قتل غيلانا القدري وصلبه ، وهذا جهل بعلم أيام الناس ، وإنما الصحيح أن عمر لما ناظره ، دعا عليه وقال : ما أظنك تموت إلا مصلوبا ، فقتله هشام - لعنه الله - وصلبه لأنه خرج مع زيد بن علي بن حسين بن علي .

38853 - ومذهب مالك وأصحابه أن القدرية يستتابون ، قيل لمالك : كيف يستتابون ؟ قال : يقال لهم : اتركوا ما أنتم عليه ، وانزعوا عنه .

38854 - وقال مالك : لا يصلى عليهم ، ولا يسلم على أهل القدر ، ولا على أهل الأهواء كلهم ، ولا يصلى خلفهم ، ولا تقبل شهادتهم .

38855 - قال أبو عمر : أما قوله : " لا يصلى خلفهم " فإن الإمامة يتخير لها أهل الكمال في الدين من أهل التلاوة والفقه ، هذا في الإمام الراتب .

38856 - وأما قوله : " لا يصلى عليهم " ، فإنه يريد : لا يصلي عليهم أئمة الدين ، وأهل العلم لأن ذلك زجر لهم ، وخزي لهم لابتداعهم ، رجاء أن ينتهوا عن مذهبهم ، وكذلك ترك ابتداء السلام عليهم .

38857 - وأما أن تترك الصلاة عليهم جملة إذا ماتوا ، فلا ، بل السنة المجتمع عليها ، أن يصلى على كل من قال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . مبتدعا كان أو مرتكبا للكبائر .

[ ص: 104 ] 38858 - ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أئمة الفتوى يقول في ذلك بقول مالك .

38859 - وقد ذكرنا أقاويل العلماء في قبول شهادتهم في كتاب الشهادات ، وأن مالكا شذ عنهم في ذلك ، إلا أن أحمد بن حنبل قال : ما تعجبني شهادة الجهمية ، ولا الرافضة ، ولا القدرية قال إسحاق : وكذلك كل صاحب بدعة .

38860 - قال أبو عمر : اتفق ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، والثوري ، والحسن بن حي ، وعثمان البتي ، وداود ، والطبري ، وسائر من تكلم في الفقه ، إلا مالكا وطائفة من أصحابه ، على قبول شهادة أهل البدع القدرية وغيرهم ، إذا كانوا عدولا ، ولا يستحلون الزور ، ولا يشهد بعضهم على تصديق بعض في خبره ويمينه كما تصنع الخطابية .

38861 - قال الشافعي : وشهادة من يرى إنفاذ الوعيد في دخول النار على الذنب إن لم يتب منه أولى بالقبول من شهادة من يستخف بالذنوب .

38862 - قال أبو عمر : كل من يجيز شهادتهم ، لا يرى استتابتهم ولا عرضهم على السيف . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية