الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1667 1668 - مالك ، عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي . قال : قال معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر : أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع الله ، ولا ينفع ذا الجد منه الجد ، من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، ثم قال معاوية : سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأعواد .


38869 - قال أبو عمر : هذا حديث صحيح وإن كان ظاهره من رواية مالك في " الموطأ " الانقطاع ، فقد روي عن مالك من سماع محمد بن كعب القرظي له ، من معاوية ، وروي من غير طريق مالك أيضا .

38870 - وقد ذكرنا من محمد بن كعب وطرفا من فضائله من طرق في " التمهيد " .

38871 - وظاهر حديث مالك هذا أن معاوية سمع الحديث كله من النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 107 ] 38872 - وروى أهل العراق من الطرق الصحاح ، أن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء حفظته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكتب إليه : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يسلم من الصلاة : " لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له له الملك ، وله الحمد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . إلى هنا انتهى حديث المغيرة بن شعبة .

38873 - وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في " التمهيد " ، وليس في شيء منها : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .

38874 - فدل ذلك أن معاوية ، لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله : " من يرد الله به خيرا ، يفقهه في الدين " ] .

38875 - فهذه الكلمات هي التي سمعها معاوية من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، على أعواد منبره ، لا ما قبل هذه الكلمات من حديثه في هذا الباب . والله أعلم .

38876 - وأما قوله : " ولا ينفع ذا الجد منه الجد " ، فالرواية عندنا في " الموطأ " الجد بفتح الجيم وهو الأغلب عند أهل الحديث ، وهو الذي فسر أبو عبيد وغيره ، فإنه الحظ ، وهو الذي تسميه العامة : البخت .

[ ص: 108 ] 38877 - قال أبو عبيد : معناه لا ينفع ذا الغنى عندك غناه ، وإنما ينفعه العمل بطاعتك .

38878 - واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قمت على باب الجنة ، فإذا عامة من يدخلها الفقراء ، وإذا أصحاب الجد محبوسون " . يعني أصحاب الغنى .

38879 - وقد روي هذا الحديث بكسر الجيم ، وقد كان عبد الملك بن حبيب يقول : لا يجوز فيه إلا الكسر وهو الاجتهاد .

38880 - قال : والمعنى فيه : أنه لا ينفع أحدا في طلب الرزق اجتهاده ، وإنما له ما قسم الله له منه وليس الرزق على قدر الاجتهاد ، ولكن الله يعطي من يشاء ويمنع لا إله إلا هو الحليم الكريم .

38881 - قال أبو عمر : هذا أيضا وجه حسن محتمل غير مرفوع ، والله أعلم بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية