الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1708 [ ص: 233 ] ( 2 ) باب ما جاء في صفة عيسى ابن مريم عليه السلام ، والدجال

1709 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أراني الليلة عند الكعبة ، فرأيت رجلا آدم ، كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم ، قد رجلها فهي تقطر ماء ، متكئا على رجلين ، أو على عواتق رجلين ، يطوف بالكعبة ، فسألت : من هذا ؟ قيل : هذا المسيح ابن مريم ، ثم إذا أنا برجل جعد قطط ، أعور العين اليمنى . كأنها عنبة طافية ، فسألت من هذا ؟ فقيل لي : هذا المسيحالدجال " .


39396 - قال أبو عمر : لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه .

39397 - وكذلك رواه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

39398 - ورواه ابن شهاب ، عن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم أطوف بالكعبة " فذكر نحوه في صفة المسيح ابن مريم ، وقال : ثم ذهبت ألتفت ، فإذا رجل جسيم أحمر ، جعد الرأس ، أعور العين ، كأن عينيه [ ص: 234 ] عنبة طافية ، قلت : من هذا ؟ قال : الدجال ، وإذا أقرب الناس شبها به ابن قطن ، رجل من خزاعة " .

39399 - وفي حديث جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال : " قصير أفحج ، جعد ، أعور مطموس العين " .

39400 - وفي حديث الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، حديث الجساسة في صفة الدجال : أعظم إنسان رأيناه خلقا ، وأشده وثاقا .

39401 - وفي حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة بنت قيس في ذلك : فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ، ينزو فيما بين السماء والأرض .

39402 - وهذه كلها آثار ثابتة صحاح من جهة الإسناد والنقل .

39403 - والآثار مختلفة في نتوء عينه ، وفي أي عينيه هي العوراء ؟ ولم يختلف في أنه أعور .

[ ص: 235 ] 39404 - والعنبة الطافية الممتلئة المنتفخة التي طفت على وجهه .

39405 - وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال كما رآه في منامه ، ورؤياه ورؤيا الأنبياء مثله وحي ، ووصف عيسى " بأنه آدم ، والأدمة لون العرب وهي السمرة في الرجال .

39406 - وقد تقول العرب للأبيض من الإبل : الآدم . والآدم من الظباء عندهم هو لون التراب واللمة : واللمة هي أكمل من الوفرة ، والوفرة ما بلغت الأذنين من شعر الرأس .

39407 - وروى مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المسيح أنه أحمر ، جعد ، عريض الصدر .

39408 - والأحمر عند العرب الأبيض .

39409 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت إلى الأحمر والأسود " .

39410 - وقال عكرمة في قول الله - عز وجل - ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ) [ الإسراء : 60 ] قال : أري إبراهيم وموسى وعيسى فذكر أن عيسى رجل أبيض ، نحيف مبطن ، كأنه عروة بن مسعود .

39411 - وقد ذكرنا الآثار التي أشرنا إليها هاهنا في " التمهيد " بأسانيدها ومتونها ، وذكرنا من أخبار عيسى ابن مريم - عليه السلام - هناك في رفعه ، وكيف كان الأمر في ذلك ، ومعنى توفيه ، واختلاف العلماء فيه ، وقتله للدجال ، [ ص: 236 ] بباب لد بعد نزوله عند المنارة البيضاء بدمشق أخبارا حسانا ، وفي هذا كفاية والحمد لله كثيرا .

39412 - وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى في الآثار الثابتة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الآحاد العدول .

39413 - وقوله صلى الله عليه وسلم : " ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما " .

39414 - ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، وتكون الدعوة لله رب العالمين " .

39415 - حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة قال : حدثني روح بن عبادة قال : حدثني سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال ، عليها ظفرة غليظة ، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى ، ويقول للناس : أنا ربكم ، فمن قال : أنت ربي ، فقد فتن ، ومن قال : ربي الله ، حتى [ ص: 237 ] يموت على ذلك ، فقد عصم من فتنته ، ولا فتنة عليه ، فيلبث في الأرض ما شاء الله ، ثم يجيء عيسى ابن مريم من جهة المغرب مصدقا لمحمد ، وعلى ملته ، فيقتل الدجال ، ثم إنما هو قيام الساعة " .

39416 - ففي حديث سمرة هذا : " أعور العين الشمال " .

39417 - وفي حديث ابن عمر : " أعور العين اليمنى " . فالله أعلم .

39418 - وقد روى محمد بن عبيد الطنافسي قال : حدثني مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري قال : عين الدجال كأنها كوكب دري . يقولون : إنه لم يرو محمد بن عبيد ، عن مجالد إلا هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية