الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1711 [ ص: 247 ] ( 4 ) باب النهي عن الأكل بالشمال

1712 - مالك ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله ، أو يمشي في نعل واحدة ، وأن يشتمل الصماء ، وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه .


39464 - قال أبو عمر : الأكل بالشمال يأتي القول فيه بعد في هذا الباب ، وقد مضى القول في المشي في نعل واحدة ، وأما اشتمال الصماء فقد فسرها أهل اللغة ، وفسرها الفقهاء ، وأتى في الآثار تفسيرها وهي أعلى ما في ذلك .

39465 - قال أبو عبيد : قال الأصمعي : اشتمال الصماء عند العرب : أن يشتمل الرجل بثوبه ، فيجلل به جسده كله ، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده ، وربما اضطجع فيه على تلك الحال .

39466 - قال أبو عبيد : كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه ، وأن يدفعه بيده ، فلا يقدر على ذلك لإدخاله يديه جميعا في ثيابه . فهذا كلام العرب .

39467 - قال : وأما تفسير الفقهاء ، فإنهم يقولون : هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ، ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه ، ويضعه على منكبيه ، [ ص: 248 ] فيبدو منه فرجه .

39468 - قال أبو عبيد : والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا ، وذلك أصح معنى في الكلام .

39469 - وقال الأخفش : الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه ، من رأسه إلى قدمه ، يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر ، فهذا هو الاشتمال .

39470 - فإن هو لم يرد طرفه الأيمن على منكبه الأيسر ، وتركه مرسلا إلى الأرض ، فذلك السدل الذي نهي عنه .

39471 - قال : وقد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد سدل ثوبه ، فعطفه عليه حتى صار مشتملا .

39472 - قال : فإن لم يكن على الرجل إلا ثوب واحد ، فاشتمل به ، فرفع الثوب عن يساره ، حتى ألقاه عن منكبه [ فقد انكشف ] شقه الأيسر [ كله ] .

39473 - وهذا هو اشتمال الصماء الذي نهي عنه .

39474 - فإن هو أخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى ، [ فألقاه ] على منكبه [ الأيمن وألقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه [ ص: 249 ] الأيسر ] ، فهذا التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به صلى الله عليه وسلم .

39475 - قال : وأما الاضطباع فإنه للمحرم ، وذلك أنه يكون مرتديا بالرداء أو مشتملا [ فينكشف ] منكبه الأيمن حتى يصير الثوب تحت إبطيه .

39476 - وهذا معنى الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف وسعى مضطبعا ببرد أخضر .

39477 - وقد روي عن عمر بن عبد العزيز مثله .

39478 - قال : والارتداء أن يأخذ بطرفي الثوب ، فيلقيهما على صدره ومنكبيه ، وسائر الثوب خلفه .

39479 - وقال ابن وهب : اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب [ جميعا ] على شقه الأيسر .

39480 - وقد كان مالك أجازها على [ ثوب ] ، ثم كرهها .

39481 - وفي سماع ابن القاسم ، عن مالك قال : سئل مالك عن الصماء : [ ص: 250 ] كيف هي ؟ قال : يشتمل الرداء ، ثم يلقي الثوب على منكبيه ، ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب ، وليس عليه إزار . [ قيل له : أرأيت إن لبس الثوب هكذا وعليه إزار ؟ قال : لا بأس بذلك .

39482 - قال ابن القاسم : ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار .

39483 - قال ابن القاسم : وترك ذلك أحب إلي للحديث ، ولست أراه ضيقا إذا كان عليه إزار ] .

39484 - قال مالك : والاضطباع أن يرتدي الرجل ، فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى .

39485 - قال ابن القاسم : وأراه من ناحية الصماء .

39486 - قال أبو عمر : قد ذكرنا ما جاء في الآثار المرفوعة من تفسير الصماء في " التمهيد " في باب أبي الزبير .

39487 - والأصل في ذلك النهي عن كل لبسة ينكشف الرجل فيها حتى يبدو فرجه ، فإنه لا يحل لأحد كشف فرجه في موضع ينظر إليه آدمي إلا حليلته امرأته أو أمته ، وهذا أمر مجتمع عليه ، وقد جاء منصوصا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن الصماء ، ونهى أن يلتحف الرجل أو [ ص: 251 ] يحتبي في ثوب واحد ، ليس على عورته منه شيء " .

39488 - وفي بعضها " كاشفا عن فرجه " .

39489 - وأما اشتقاق اللفظة في اللغة فإنما قيل لتلك اللبسة " الصماء " لأنها لبسة لا انفتاح [ فيها كأن لفظها مأخوذ من الصم ، ومنه قيل لمن لا يسمع : أصم لأنه لا انفتاح ] في سمعه ، ومنه قيل للفريضة التي لا تتفق سهامها : صماء ، لأنه لا انفتاح فيها .

39490 - قال أبو عمر : الاسم الشرعي أولى في هذا القول من اللغوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية