الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1712 1713 - مالك عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " .


[ ص: 252 ] 39491 - قال أبو عمر : قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الله ، فوهم فيه ، ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك [ عليه ] .

39492 - والصواب فيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر لأن عبد الله بن عمر له بنون منهم عبد الله ، ومنهم عبيد الله والد أبي بكر هذا .

39493 - وقال ابن بكير في هذا الحديث ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، ولم يتابعه أحد أيضا على قوله فيه : عن أبيه ، وإنما الحديث لابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبيد الله ، عن جده عبد الله بن عمر .

39494 - وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث على مالك ، وعلى ابن شهاب ، وذكرنا أولاد عبد الله بن عمر ، وبنيهم ، كل ذلك في " التمهيد " والحمد لله .

39495 - وفي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين .

39496 - وفي حديث جابر قبله النهي عن الأكل بالشمال ، والشرب بها .

[ ص: 253 ] 39497 - ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال ، والشرب بها ، فمن أكل بشماله أو شرب بشماله وهو عالم بالنهي ، ولا عذر له ولا علة تمنعه ، فقد عصى الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله فقد غوى .

39498 - وكذلك الاستنجاء باليمين ، والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء باليمين ، وأمر بالاستنجاء باليسرى .

39499 - والسنة في ذلك كله مجتمع عليها .

39500 - حدثني محمد بن إبراهيم قال : حدثني أحمد بن مطرف قال : حدثني سعيد بن عثمان قال : حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي العثماني قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن جده عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكل أحدكم ، فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " .

39501 - وهكذا روى الحميدي ، وعليا بن المديني ، ومسدد ، وابن المقري ، وغيرهم عن ابن عيينة .

39502 - وحدثني عبد الرحمن بن يحيى ، وأحمد بن فتح قالا : حدثني [ ص: 254 ] حمزة بن محمد قال : أخبرنا القاسم بن الليث قال : أخبرنا هشام بن عمار قال : حدثني هقل بن زياد قال : حدثني هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكل أحدكم ، فليأكل بيمينه ، وليشرب بيمينه ، وليأخذ بيمينه ، وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ، ويأخذ بشماله ، ويعطي بشماله " .

39503 - قال أبو عمر : حمل قوم هذا الحديث ، وما كان مثله على المجاز في أكل الشيطان وشربه ، قالوا : المعنى فيه أن الأكل بالشمال يحبه الشيطان ، كما قيل في الخمر " زينة الشيطان " ، وفي الاقتعاط بالعمامة " عمة الشيطان " ، أي أن الشيطان يرضاها ويزينها ، وكذلك يدعو إلى الأكل بالشمال ويزينه ، ليواقع المرء ما نهي عنه .

39504 - وهذا عندي ليس بشيء ، ولا معنى بحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما .

39505 - وفي هذا الحديث نص بأن الشيطان يأكل ويشرب .

39506 - ومن الدليل أيضا على أن من الشياطين من يأكلون ويشربون ، قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الاستنجاء : " إن ذلك زاد إخوانكم من الجن " .

39507 - وفي حديث آخر : " إن طعام الجن ما لم يذكر اسم الله عليه ، وما لم يغسل من الأيدي والصحاف ، وشرابهم الجدف " وهو الرغوة والزبد .

[ ص: 255 ] 39508 - وهذه الأشياء لا تدرك بقياس ولا اعتبار ، ولا يصح فيها تكييف .

39509 - وقد قيل : إن أكل الشيطان تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع ، وإنما المضغ والبلع لذوي الجثث ، فيكون شمه واسترواحه من قبل الشمال .

39510 - وقد أوردنا في معنى الجن والشياطين والإخبار عنهم ، وأن لهم حياة وأجساما ، وأنها تختلف صفاتهم في كتاب " التمهيد " ما فيه كفاية ، وحسبك بما في القرآن من تكليفهم وطاعتهم وعصيانهم وأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك المؤمن والكافر ، وأنهم يسترقون السمع .

39511 - وفي سورة الأحقاف ، وسورة ( قل أوحي إلي ) [ الجن : 1 ] وسورة الرحمن ما فيه شفاء وبيان .

39512 - وروينا عن وهب بن منبه ، أنه سئل عن الجن : وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون ؟ فقال : هم أجناس .

39513 - فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون ، ومنهم السعالي والغول والقطوب .

39514 - وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده عن وهب في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية