الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1717 [ ص: 267 ] ( 7 ) باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب

1718 - مالك ، عن نافع ، عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " .


39562 - قال أبو عمر : لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث إلا ابن وهب وطائفة قالوا فيه عن مالك ، عن نافع ، عن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الصديق .

39563 - والأكثر يقولون كما قال يحيى : عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وهو الصواب .

39564 - وكذلك رواه عبيد الله بن عمر .

39565 - حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، [ عن نافع ، عن زيد بن عبد الله بن عمر ] ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، [ ص: 268 ] عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذي يشرب [ أو يأكل ] في آنية الذهب والفضة ، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم " .

39566 - واختلف فيه على نافع اختلافا كثيرا ، ذكرناه في " التمهيد " .

39567 - والصحيح عنه في إسناده ، ما رواه مالك ، وعبيد الله . ومن رواه عن نافع عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخطأ فيه .

39568 - واختلف في المعنى المقصود إليه بهذا الحديث فقالت طائفة من العلماء : إنما عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا المشركين والكفار ، من ملوك الفرس والروم وغيرهم ، الذين يشربون في آنية الفضة ، فأخبر عنهم ، وحذرنا أن نفعل فعلهم ، ونتشبه بهم .

39569 - وقال آخرون : بل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن الشرب في آنية الفضة ، فمن شرب فيها بعد علمه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقد استوجب الوعيد المذكور في الحديث ، إلا أن [ يعفو ] الله عنه ، فإنه تبارك اسمه يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء .

39570 - وأجمع العلماء على أنه لا يجوز لمسلم أن يشرب ولا يأكل في آنية الفضة [ وآنية الذهب عندهم كذلك أو أشد لأنه قد جاء فيها مثل ما جاء في آنية [ ص: 269 ] الفضة ] .

39571 - وقد تقدم من رواية عبيد الله بن عمر تسوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما .

39572 - وروى شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن حذيفة ، أنه استسقى ، فآتاه دهقان بإناء فضة ، فرماه به ، وقال ، إنى لم أرمه به إلا أني نهيته فلم ينته ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج ، وعن الشرب في آنية الذهب والفضة ، وقال : " هي لهم في الدنيا ، وهي لكم في الآخرة " .

39573 - ورواه مجاهد عن ابن أبي ليلى ، عن حذيفة مثله .

39574 - وروى شعبة ، وأبو إسحاق الشيباني ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن معاوية بن سويد ، عن مقرن ، عن البراء بن عازب قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الفضة ، وقال : " من شرب فيها في الدنيا ، لم يشرب فيها في الآخرة " .

39575 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في " التمهيد " .

[ ص: 270 ] 39576 - واختلف العلماء في جواز اتخاذ أواني الفضة بعد إجماعهم على أنه لا يجوز استعمالها لشرب ولا غيره .

39577 - فقالت طائفة : يجوز اتخاذها كما يجوز اتخاذ الحرير والديباج ، ولكنها لا يستعمل شيء منها ، وتزكى إن اتخذت .

39578 - وقال الجمهور من العلماء : إنه لا يجوز اتخاذها ولا استعمالها ، ومن اتخذها كان عاصيا باتخاذها .

39579 - قال أبو عمر : معلوم أن من اتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليست مأكولة ولا مشروبة ، فلا فائدة فيها غير استعماله فكذلك لا يجوز اتخاذها عند جماعة الفقهاء ، وجمهور العلماء .

39580 - ولكنهم مجمعون على إيجاب الزكاة فيها على متخذها إذا بلغت النصاب [ من الذهب ] أو الفضة .

39581 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني عبد الحميد بن أحمد قال : حدثني الخضر بن داود قال : حدثني أبو بكر الأثرم قال : سمعت أحمد بن حنبل وقيل له : رجل دعا رجلا إلى طعام فدخل ، فرأى آنية فضة ؟ فقال : لا يدخل إذا رآها ، وغلظ فيها وفي كسبها واستعمالها ، وذكر حديث حذيفة المذكور ، وحديث أم سلمة ، حديث هذا الباب ، وحديث البراء أيضا .

[ ص: 271 ] 39582 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في الإناء المفضض على ما قد ذكرناه عنهم في " التمهيد " .

39583 - وأما قوله : " إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " . فالجرجرة هاهنا صوت الماء في حلق الشارب أو في الإناء المقصود به صوت جرع الشارب إذا شرب ، وهي كلمة مستعارة مأخوذة من جرجرة العجل من الإبل ، وهي هديره وصوت يسمع من حلقه يردده .

39584 - قال امرؤ القيس :


إذا ساقه العود النباطي جرجرا



39585 - أي : رغا لبعد الطريق وصعوبته .

39586 - وقال الراجز يصف فحلا :


وهو إذا جرجر عند الهب جرجر في     حنجرة كالحب وهامة كالمرجل المنكب



التالي السابق


الخدمات العلمية