الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1727 1728 - مالك ، عن أبي الزبير المكي ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أغلقوا الباب . وأوكوا السقاء ، وأكفئوا الإناء ، أو خمروا الإناء ، وأطفئوا المصباح ، فإن الشيطان لا يفتح غلقا ، ولا يحل [ ص: 294 ] وكاء ، ولا يكشف إناء ، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم " .


39674 - قال أبو عمر : هكذا قال يحيى : تضرم على الناس بيتهم .

39675 - وتابعه ابن وهب ، وابن القاسم .

39676 - وقال ابن بكير : بيوتهم .

39677 - وقال القعنبي : بيتهم ، أو بيوتهم .

39678 - وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن .

39679 - وأما قوله : " إن الشيطان لا يفتح غلقا ، ولا يحل وكاء " . فذلك إعلام منه ، وإخبار عن نعم الله - عز وجل - على عباده من الإنس ، إذ لم يعط قوة على قوة فتح باب ، ولا حل وكاء ، ولا كشف إناء ، وأنه قد حرم هذه الأشياء ، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس .

[ ص: 295 ] 39680 - وقوله : " أوكوا السقاء " معناه أيضا قريب مما وصفنا في غلق الباب ، والسقاء القربة ، وقد تكون القلة والخابية وما كان مثلهما في ذلك المعنى .

39681 - وقوله : " أكفئوا الإناء " معناه اقلبوه على فيه أو خمروه - شك المحدث .

39682 - والمعنى في ذلك أن الشياطين تجول بالبيوت والدور بالليل ، وفيهم مردة تؤذي بدروب من الأذى ، وذلك معروف في أفعالهم في كتاب العلماء ، ومعلوم بالمشاهدات في أزمنة شتى ، وهم لنا أعداء ، وحسبك بفعل العدو قال الله تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) [ الكهف : 50 ] والكلمة من قوله " أكفئوا الإناء " ثلاثية مهموزة ، يقال : كفأت الإناء أكفؤه ، فهو مكفوء إذا قلبته .

39683 - قال ابن هرمة :


عندي لهذا الزمان آنية أملؤها مرة وأكفؤها



39684 - وقوله " أطفئوا المصباح " مهموز أيضا قال الله تعالى : [ ص: 296 ] ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) [ المائدة : 64 ] .

39685 - وقال ابن هرمة :


برزت في غايتي وشايعني     موقد نار الوغى ومطفئها



39686 - وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطفاء المصباح رفقا بأمته وحياطة عليهم ، وأدبا لهم .

39687 - وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " .

39688 - رواه الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

39689 - وقد ذكرناه من طرق في " التمهيد " .

وقوله : " الفويسقة " يعني الفأرة سماها بذلك لأذاها الناس .

39690 - وكل من يؤذي المسلمين ما اكتسبوا ، فهو فاسق خارج عن طاعة الله عز وجل .

[ ص: 297 ] 39691 - وقال صلى الله عليه وسلم : " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم . . " فذكر منهن الفأرة .

39692 - وقوله : " تضرم على الناس " أو تشعل النار على الناس .

39693 - قال ابن وهب وغيره : ربما جعلت الفتيلة [ موقودة ] حتى تجعلها في السقف ، فتحرق البيت .

39694 - وقد ذكرت في " التمهيد " حديث أبي سعيد الخدري أنه قيل له : لم قيل للفأرة الفويسقة ؟ قال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وقد أخذت فتيلة لتحرق بها البيت .

39695 - وحديث ابن عباس قال : جاءت فأرة ، فأخذت تجر الفتيلة ، فأتت بها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها ، فأحرقت منها مثل موضع درهم ، فقال : " إذا نمتم ، فاطفئوا سرجكم ، فإن الشيطان يدل هذه على هذا فتحرقكم " .

[ ص: 298 ] 3696 - ومن حديث عطاء بن يسار ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم نباح الكلاب ، أو نهاق الحمير بالليل ، فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم ، فإنهن يرون ما لا ترون ، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل ، فإن الله تعالى يبث من خلقه في ليله ما شاء ، وأجيفوا الأبواب ، واذكروا اسم الله عليها فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه ، وغطوا الجرار ، وأكفئوا الآنية وأوكوا القرب " .

39697 - قال أبو عمر : قد أتى في هذا الحديث شرط التسمية في الباب إذا أجيف .

39698 - وجاء في غيره أيضا مثله في تغطية الإناء أو قلبه ، إن الشيطان لا يعترضه إذا سمى الله تعالى عليه ، عند ذلك الفعل به .

39699 - وهذه زيادة على ما جاء في حديث أبي الزبير عن جابر .

39700 - وقد ذكرنا حديث عطاء بن يسار ، عن جابر بذلك ، بإسناده في " التمهيد " .

39701 - وذكرنا هناك أيضا حديث القعقاع بن حكيم ، عن جابر بإسناده ، [ ص: 299 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غطوا الإناء وأوكوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل بها وباء ، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ، أو سقاء ليس عليه وكاء ، إلا نزل فيه من ذلك الوباء .

39702 - قال الليث بن سعد ، وهو أحد رواة هذا الحديث : والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول .

39703 - وفي حديث عطاء بن أبي رباح ، عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم . " خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، وكفوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشارا وخطفة " .

39704 - وقد ذكرنا هذا الخبر وما كان مثله بإسناده في " التمهيد " وذكرنا هناك أيضا خبر اختطاف الجن للذي ضرب عمر بن الخطاب الأجل لامرأته حين فقدته .

39705 - وقد روى ابن وهب عن حيوة بن شريح ، وابن لهيعة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جنح الليل ، فاحبسوا أولادكم فإن الله يبث من خلقه بالليل ما لا يبث بالنهار " .

[ ص: 300 ] 39706 - قال عقيل : يتقى على المرأة أن تتوضأ عند ذلك .

39707 - قال ابن شهاب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإذا سمعتم النداء ، وأحدكم على فراشه أو أين ما كان ، فاهدءوا ساعة ، فإن الشياطين إذا سمعت النداء ، اجتمعوا وعشوا " .

39708 - حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني محمد بن عبد السلام قال : حدثني محمد بن بشار قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أطفئ مصباحك ، واذكر اسم الله ، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه ، واذكر اسم الله ، وأوك سقاءك ، واذكر اسم الله " .

39709 - قال أبو عمر : روينا عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : بسم الله ، فقد ذكر الله ، ومن قال : الحمد لله ، فقد شكر الله ، ومن قال : الله أكبر فقد عظم الله ، ومن قال : لا إله إلا الله ، فقد وحد الله ، ومن قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، فقد سلم واستسلم ، وكان له [ ص: 301 ] بها كنز في الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية