الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1779 1783 - مالك ، عن أبي حازم بن دينار ، عن أبي إدريس الخولاني ; أنه قال : دخلت مسجد دمشق ، فإذا فتى شاب براق الثنايا ، وإذا الناس معه ، إذا اختلفوا في شيء ، أسندوا إليه ، وصدروا عن قوله ، فسألت عنه ، [ ص: 111 ] فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد ، هجرت ، فوجدته قد سبقني بالتهجير ، ووجدته يصلي ، قال فانتظرته حتى قضى صلاته ، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ، ثم قلت : والله إني لأحبك لله ، فقال : آلله ؟ فقلت : آلله ، فقال : آلله ؟ فقلت : آلله ، فقال : آلله ؟ فقلت : آلله ، قال ، فأخذ بجبوة ردائي فجبذني إليه ، وقال : أبشر ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله تبارك وتعالى : " وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في " .


40422 - قال أبو عمر : قد مضى في المتحابين في الله ما فيه كفاية ، والحمد لله .

40423 - أخبرنا عبد الرحمن بن عمر ، فيما كتب به إلي ، قال : حدثني ابن الأعرابي ، قال : حدثني عبد الصمد بن أبي يزيد ، قال : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، قال : حدثني أحمد بن يونس الحذاء ، قال : سئل أبو حمزة النيسابوري ، عن المتحابين في الله - عز وجل - من هم ؟ فقال : العاملون بطاعة الله ، المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم .

[ ص: 112 ] 40424 - قال أحمد : فحدثت به أبا سليمان الداراني ، فقال : قد يعملون بطاعة الله ، ويتعاونون على أمره ، ولا يكونون إخوانا في الله حتى يتزاوروا ويتباذلوا ، فقال أحمد : صدق الله .

40425 - قال أبو عمر : معنى التباذل أن يبذل كل واحد منهما ماله لأخيه متى احتاج .

40426 - وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل ، وسماعه منه ، وهو حديث صحيح الإسناد ، لا مطعن فيه لأحد ، وقد عده بعض من لم تتسع روايته ولا عظمت عنايته ، بهذا الشأن غلطا من أبي حازم ، أو ممن دونه ، واحتج بما رواه معمر وابن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي إدريس ، قال : أدركت عبادة بن الصامت ، وأبا الدرداء ، وشداد بن أوس ، ووعيت عنهم ، وفاتني معاذ بن جبل .

40427 - وقد صح عن أبي إدريس من طرق شتى ، صحاح كلها ، لقاؤه لمعاذ بن جبل .

40428 - وقد ذكرناها في " التمهيد " .

40429 - ولا خلاف أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين ، وأن معاذ بن [ ص: 113 ] جبل توفي سنة سبع عشرة ، أو ثماني عشرة ، في طاعون عمواس فغير نكير أن يسمع منه وهو غلام ، وولي أبو إدريس قضاء دمشق من فضالة بن عبيد دون واسطة ، وكان فضالة قاضيا بعد أبي الدرداء .

40430 - وقال الوليد بن مسلم : أدرك أبو إدريس معاذ بن جبل وهو ابن عشر سنين .

40431 - قال أبو عمر : يحتمل قول الزهري ، عن أبي إدريس : فاتني معاذ : في معنى كذا ، أو في حديث كذا ، أو في طول مجالسته ، كمجالسته لأبي الدرداء .

40432 - وقد أدرك أبو إدريس جماعة من الصحابة غير من ذكر الزهري ، كما أدرك الذين أدرك الزهري .

40433 - وقد ذكرت الشواهد على ما قلت من ذلك في " التمهيد " ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية