الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1791 [ ص: 143 ] ( 3 ) باب جامع السلام

1797 - مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، عن أبي واقد الليثي ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد ، والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة ، فأقبل اثنان إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد ، فلما وقفا على مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلما ، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فأوى إلى الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " .


40556 - قال أبو عمر : في هذا الحديث من معاني السلام أن القادم على القوم ، والآتي إليهم ، يبدؤهم بالسلام ، يسلم عليهم ، كما يصنع المار والماشي على القاعد ، والراكب على الماشي ، ألا ترى إلى قوله : " فلما وقفا على مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سلما ولم يقل : رد السلام - في الحديث - اكتفاء بمعرفة الناس بذلك .

[ ص: 144 ] 40557 - وفي هذا الحديث معان من آداب مجالسة العالم ، والتحلق إليه ، والتخطي في حلقته إلى فرجة إن كانت فيها ، أو الجلوس حيث انتهى بالطلب المجلس ، وغير ذلك .

40558 - ومعنى استحياء الله من عبده المطيع ، مجازاته عن جميل فعله برحمته له ، وعفوه عنه ، وغير ذلك وإيوائه لمن أوى الله ، وإعراضه عن من أعرض عنه ، فلم يوجب له حسنة ، ولا محا عنه سيئة ، فلا يعرض عن مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وحلقته من غير عذر إلا من في قلبه مرض ونفاق .

40559 - وقد ذكرت ذلك كله مبسوطا في " التمهيد " ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية