الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1804 [ ص: 182 ] ( 4 ) باب ما جاء في أكل الضب

1810 - مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن سليمان بن يسار ; أنه قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة بنت الحارث ، فإذا ضباب فيها بيض ، ومعه عبد الله بن عباس ، وخالد بن الوليد ، فقال : " من أين لكم هذا ؟ " فقالت : أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث ، فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد : " كلا " فقالا : أولا تأكل أنت يا رسول الله ؟ فقال : " إني تحضرني من الله حاضرة " قالت ميمونة : أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا ؟ فقال : " نعم " فلما شرب قال : " من أين لكم هذا " فقالت : أهدته لي أختي هزيلة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها ، أعطيها أختك ، وصلي بها رحمك ترعى عليها ، فإنه خير لك " .


[ ص: 183 ] 40723 - قال أبو عمر : قد ذكرنا اختلاف ألفاظ رواة " الموطأ " في ألفاظ هذا الحديث في " التمهيد " .

40724 - ولم يختلفوا في إسناده ، وكلهم يرسله ، عن سليمان بن يسار .

40725 - وما في هذا الحديث من أكل الضب فسيأتي في الحديثين اللذين بعد في هذا الباب ، إن شاء الله عز وجل .

40726 - وأما قوله عليه السلام : " فإنه تحضرني من الله حاضرة " ، فهو عندي مفسر لما ذكره ابن شهاب في حديثه المذكور بعد هذا ; قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه " .

40727 - وقد روي عن عمر بن الخطاب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قذر الضب ، ولم يأكله .

40728 - وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في " التمهيد " .

40729 - وأصح ما يروى من المسند في معنى حديث هذا الباب ; [ ص: 184 ] 40730 - ما حدثنا قاسم بن محمد ، قال : حدثني خالد بن سعد ، قال : حدثني محمد بن فطيس ، قال : حدثني إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثني وهب بن جرير ، قال : حدثني شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أهدت خالتي أم حفيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطا وسمنا ، وأضبا ، قال : فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأقط والسمن ، ولم يأكل من الأضب ، وأكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو كان حراما ، لم يؤكل على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

40731 - قال أبو عمر : وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الصدقة على ذي الرحم القريبة ، أفضل من العتق ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أرأيت " .

40732 - وكذلك يرويه جماعة من رواة " الموطأ " : " جاريتك التي استأمرتني في عتقها ، أعطيها أختك ، وصلي بها رحمك ، فإنه خير لك " .

40733 - وحدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثنا يعلى ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن ميمونة ، قالت : كانت لي جارية ، فأعتقتها ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي فأخبرته بعتقها ، فقال : " آجرك الله ، أما أنك لو أعطيتها أخوالك ، لكان [ ص: 185 ] أعظم لأجرك " .

40734 - ورواه أسد بن موسى ، قال : حدثني أبو معاوية محمد بن خازم ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ميمونة ، أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - خادما ، فأعطاها خادما ، فأعتقتها ، فقال : ما فعلت الخادم ؟ قلت : يا رسول الله أعتقتها ، فقال : " أما أنك لو أعطيتها أخوالك ، لكان أعظم لأجرك " .

40735 - قال أبو عمر : فهذان إسنادان عند محمد بن إسحاق لهذا الحديث ، فإن لم يكن كذلك ، فرواية يعلى بن عبيد أولى بالصواب من رواية أبي معاوية ; لشهادة حديث مالك له بذلك ، ولأن أبا معاوية كثير الخطأ جدا فيما يرويه عن المدنيين ، وعن غير الأعمش .

40736 - قال : وحدثني عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم الديلي ، قال : حدثني عبد الحميد بن صبيح ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، أن ميمونة أعتقت جارية لها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلا أعطيتها أختك الأعرابية " .

[ ص: 186 ] 40737 - قال أبو عمر : وهذه الأخت الأعرابية ، هي هذيلة أم حفيد ، المذكورة في حديث مالك ، والله أعلم ، وأخوات ميمونة لأبيها ، وأمها لبابة الكبرى ، ولبابة الصغرى ، وعصماء ، وغراء ، وهذيلة أم حفيد بنات الحارث بن حزن الهلالي ، وأمهن هند بنت عوف الكنانية ، وقيل : الحميرية ، وأخواتهن لأمهن ; أسماء ، وسلمى ، وسلامة الخثعميات ، وهن تسع أخوات ; منهن ست لأب وأم ، وثلاث لأم .

التالي السابق


الخدمات العلمية