الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1805 1811 - مالك عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عبد الله بن عباس ، عن خالد بن الوليد بن المغيرة ; أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتي بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة : أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل منه ، فقيل : هو ضب يا رسول الله ، فرفع يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ فقال : " لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه " قال خالد : فاجتررته فأكلته ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر .


40738 - قال أبو عمر : الضب دويبة معروفة بأرض اليمن وأرض نجد ، [ ص: 187 ] ولم يكن بأرض الحجاز ، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه " .

40739 - وقد يحتمل قوله لم يكن مأكولا بأرض قومي ، فأكثر أهل الحجاز لا يأكلونه .

40740 - وقد نقل أهل الأخبار ، أن مدنيا سأل أعرابيا من اليمن ، فقال : أتأكلون الضب ؟ قال : نعم ، قال : واليربوع ؟ قال : نعم ، قال : والقنفذ ؟ قال : نعم ، قال : والورل ؟ قال : نعم ، قال : أفتأكلون أم حبين ؟ قال : لا ، قلت : فليهنئ أم حبين العافية .

40741 - قال أبو عمر : مما يدل على أن الضب يوجد في بعض دون بعض ; قول بعض العرب :

بلاد يكون الخيم أظلال أهلها إذا حضروا بالقيظ والضب نونها



40742 - وقال بعض بني تميم : لكسرى كان أعقل من تميم     ليالي فر من أرض الضباب


40743 - وأما خلق الضب ، فكما قال شاعرهم : [ ص: 188 ] له كف إنسان وخلق غطاءة     وكالقرد والخنزير في المسخ والعصب


40744 - وقد ذكرنا في " التمهيد " من شواهد هذا المعنى أكثر من هذا ، والحمد لله ، وذكرنا هناك اختلاف الناس في أكل الضب ، ومن كره أكله من العلماء بحديث حصين ، عن زيد بن وهب ، عن ثابت بن وديعة ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جيش ، فأصبنا ضبابا ، قال : فشويت منها ضبا ، وأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوضعه بين يديه ، قال : فأخذ عودا ، فعد به أصابعه ، ثم قال : " إن أمة من بني إسرائيل ، مسخت دواب في الأرض ، ولا أدري أي الدواب هي " قال : فلم يأكل منه ، ولم ينه .

40745 - قال أبو عمر : قد ذكرت هذا الحديث من طرق في " التمهيد " ، وذكرت خلاف الأعمش لحصين في إسناده ، وذكرت ما يعضده وما يخالفه ، مثل حديث ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سئل عن القردة والخنازير ، أهي من الذين مسخوا ؟ قال : " إن الله - تعالى - لم يهلك قوما ، ولم يمسخ قوما فجعل لهم نسلا ، ولا عاقبة ، ولكنهم من شيء كان قبل ذلك " .

[ ص: 189 ] 40746 - ورواه مسعر ، عن علقمة بن مرثد ، عن المغيرة اليشكري ، عن المعرور بن سويد ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

40747 - وقد ذكرناه من طرق في " التمهيد " ، والمحنوذ المشوي في التنور وشبهه ، يقال : حنيذ ومحنوذ كما يقال : قتيل ومقتول ، قال الله - تعالى - : فجاء بعجل حنيذ [ هود : 69 ] أي مشوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية