الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1808 [ ص: 191 ] ( 5 ) باب ما جاء في أمر الكلاب

1813 - مالك عن يزيد بن خصيفة ; أن السائب بن يزيد أخبره : أنه سمع سفيان بن أبي زهير ، وهو رجل من أزد شنوءة ، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يحدث ناسا معه عند باب المسجد ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط " قال : أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : إي ورب هذا المسجد .

1814 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اقتنى كلبا ، إلا كلبا ضاريا ، أو كلب ماشية ، نقص من عمله كل يوم قيراطان " .


[ ص: 192 ] 40751 - قال أبو عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي لفظه في " التمهيد " .

40752 - وفي حديث ابن عمر هذا ، وحديث سفيان بن أبي زهير إباحة اتخاذ الكلاب للصيد ، والزرع ، والماشية ، دون ما عدا ذلك .

40753 - ويدخل عندي في معنى الصيد ، والزرع ، والماشية ; جواز اتخاذ الكلاب في البادية جملة ; لأن الأغلب من أمرها الزرع والماشية والصيد ، تجد ذلك في البادية والحاضرة ، والله أعلم .

40754 - وروي من حديث يونس ، عن الحسن ، عن عبد الله بن مغفل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اتخذ كلبا ، وليس كلب صيد ، ولا ماشية ، ولا حرث ، نقص من أجره كل يوم قيراط " .

[ ص: 193 ] 40755 - قال أبو عمر : الحرث يدخل فيه الكرم والزرع ، ولم يختلف العلماء في تأويل قول الله - عز وجل - وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم [ الأنبياء : 87 ] أنه كان كرما .

40756 - وفي معنى الزرع والكرم والغنم عندي ، منافع البادية كلها ، من الطارق وغيره ، والله أعلم .

40757 - وقد سئل هشام بن عروة ، عن اتخاذ الكلاب للدار ، فقال : لا بأس به إذا كان موضع الدار مخوفا .

40758 - وأجاز مالك اقتناء الكلاب للزرع ، والصيد ، والماشية .

40759 - وكان ابن عمر لا يجيز اتخاذ الكلب إلا للصيد والماشية خاصة ، ووقف عند ما سمع ، ولم يبلغه ما روى أبو هريرة ، وسفيان بن أبي زهير ، وابن مغفل ، وغيرهم في ذلك .

40760 - وفي هذا الحديث دليل على أن اتخاذ الكلاب ليس بمحرم ، وإن كان ذلك الاتخاذ لغير الزرع والضرع والصيد ; لأن قوله : " من اتخذ كلبا - أو اقتنى كلبا ، لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ، ولا اتخذه للصيد ، نقص من أجره كل يوم قيراط " يدل على الإباحة ، لا على التحريم ; لأن المحرمات لا يقال فيها : من فعل هذا ، نقص من عمله ، أو من أجره كذا ، بل ينهى عنه ; لئلا يواقع المطيع [ ص: 194 ] شيئا منها .

40761 - وإنما يدل ذلك اللفظ على الكراهة ، لا على التحريم ، والله أعلم .

40762 - وأما نقصان الأجر ، فإن ذلك - والله أعلم - لما يقع من التفريط في غسل الإناء من ولوغ الكلاب لمن له اتخاذها ، ومن التقصير عن القيام لما يجب عليه في ذلك ; من عدد الغسلات ، وقد يكون لما جاء في الحديث بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، وقد مضى القول في ذلك .

40763 - وقد يكون في التقصير في الإحسان إلى الكلب ; لأنه قانع ناظر إلى يد متخذه ، ففي الإحسان إليه أجر ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " في كل ذي كبد رطبة أجر " وفي الإساءة إليه بتضييقه وزر .

40764 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض " .

40765 - هذا والهر يفترس ويطلب رزقه ، والكلب ليس كذلك .

40766 - وقد يكون لما قال الحسن وغيره .

40767 - روى حماد بن يزيد ، عن واصل ، مولى أبي عيينة ، قال : سأل [ ص: 195 ] الحسن رجل ، فقال : يا أبا سعيد ، أرأيت ما ذكر في الكلب ; أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط ؟ قال : فذكر ذلك ، فقيل له : مم ذلك يا أبا سعيد ؟ قال : لترويعه المسلم .

40768 - وذكر ابن سعد ، عن الأصمعي ، قال : قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد : ما بلغك في الكلب ؟ قال : بلغني أنه من اقتنى كلبا لغير زرع ، ولا حراسة ، نقص من أجره كل يوم قيراط ، قال : ولم ؟ قال هكذا جاء الحديث ، قال : خذها بحقها .

40769 - وإنما ذلك ; لأنه ينبح الضيف ، ويروع السائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية