الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1811 1817 - مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ; أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال [ ص: 206 ] ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .


40817 - قال أبو عمر : رواه بعض شيوخنا : شعب الجبال ، فصحف ; وإنما هو شعف الجبال ، واحدتها شعفة ; وهي رءوس الجبال وأعاليها .

40818 - وأما الفتن فكثيرة ; في الأهل والمال ، وما يلقاه المؤمن ممن يحسره ويؤذيه حتى يفتنه عن دينه ، أو ممن يراه يفوقه في المال والجاه والحال ; فتكون فتنة له .

40819 - وقد ذكرنا في " التمهيد " آثارا في معاني الفتن كثيرة .

40820 - وفي هذا الحديث دليل على تغيير الأزمنة ، وعلى فضل العزلة .

40821 - وقد ذكرت من فضل اعتزال الناس ، والبعد عن شرورهم ، وما ندب إليه ، وحض عليه من ذلك أهل العلم ما فيه كفاية ، في " التمهيد " والحمد لله .

40822 - ذكر عن عبد الله بن مسعود ; أنه مر به رجل يحبس طائرا ، فقال : وددت أني حيث صيد هذا الطائر ; لا يكلمني أحد ولا أكلمه .

40823 - وقال عمر بن الخطاب : اليأس غنى ، والطمع فقر حاضر ، وفي [ ص: 207 ] العزلة راحة من خلطاء السوء .

40824 - وقال أبو الدرداء : نعم صومعة الرجل المسلم بيته ; يكف فيه بصره ونفسه ، وإياكم والمجالس في الأسواق ; فإنها تلغي وتلهي .

40825 - وقال طلحة بن عبيد الله : أقل لعيب الرجل ، لزومه بيته .

40826 - وقال حذيفة : وددت أني وجدت من يقوم لي في مالي ; فدخلت في بيتي ، وأغلقت علي بابي ، فلم يدخل علي أحد ، ولم أخرج إلى أحد ، حتى ألقى الله - عز وجل - .

40827 - وقال ابن لهيعة ، عن يسار بن عبد الرحمن ، قال لي بكير بن الأشج : ما فعل خالك ؟ قلت : لزم البيت منذ كذا وكذا ، فقال له : إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان ، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم .

40828 - وهذا الباب قد أشبعناه بالآثار المرفوعة عن الصحابة من سائر السلف في " التمهيد " ، والحمد لله .

[ ص: 208 ] 40829 - ولقد أحسن منصور الفقيه ; حيث يقول :

ليس هذا زمان قولك ما الحك م على من يقول : أنت حرام ؟     والحقي بائنا بأهلك ، أو أن
ت عتيق محرر يا غلام     ومتى تنكح المصابة في العد
دة عن شبهة ؟ وكيف الكلام في حرام     أصاب سن غزال
فتولى وللغزال بغام ؟     إنما ذا زمان كد إلى الموت
وقوت مبلغ والسلام



التالي السابق


الخدمات العلمية