الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1828 [ ص: 256 ] 1834 - مالك عن صيفي ; مولى ابن أفلح ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ; أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري ، فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى قضى صلاته ، فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته ، فإذا حية ، فقمت لأقتلها ، فأشار أبو سعيد أن اجلس ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم ، قال : إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس ، فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ، فبينا هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه ، فقال : يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه سلم - ، وقال : " خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك بني قريظة " فانطلق الفتى إلى أهله ، فوجد امرأته قائمة بين البابين ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها ، وأدركته غيرة ، فقالت : لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك ، فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه ، فركز فيها رمحه ، ثم خرج بها فنصبه في الدار ، فاضطربت الحية في رأس الرمح ، وخر الفتى ميتا ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا ، الفتى أم الحية ؟ فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ، فإذا بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان " .


41039 - قال أبو عمر : قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث ، وفي [ ص: 257 ] ألفاظه ، وفي ولاء صيفي في " التمهيد " ; لأن مالكا يقول فيه : مولى ابن أفلح ، وأفلح هو مولى أبي أيوب الأنصاري .

41040 - وقال ابن عجلان فيه : عن صيفي مولى الأنصار .

41041 - كذا قال فيه الليث ، وغيره عن ابن عجلان .

41042 - وقال فيه ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن صيفي مولى أبي السائب ، ولم يقم إسناده ابن عيينة .

41043 - والقول عندي في ذلك ، ما قاله مالك ، والله أعلم .

41044 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في " التمهيد " .

41045 - وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد .

41046 - رواه حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد .

41047 - حدثناه عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن غالب ، وزكريا بن يحيى الناقد ، قالا : حدثني خالد بن خداش ، قال : حدثني حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ، فرجع من الطريق ، فإذا هو بامرأته [ ص: 258 ] قائمة بالحجرة فمد إليها الرمح ، فقالت : ادخل فانظر ما في البيت ، فدخل ، فإذا هو بحية منطوية على فراشه فانتظمها برمحه ، وركز الرمح في الدار ، فانتفضت الحية ، وماتت ، ومات الرجل . قال : فذكر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إنه قد نزل بالمدينة جن مسلمون " ، أو قال : " إن لهذه البيوت عوامر " - شك خالد - " فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا ، فإن عاد فاقتلوه " .

41048 - وقال زكريا بن يحيى في حديثه " فإذا رأيتم منه شيئا فتعوذوا " .

41049 - وحدثني عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثني ابن مسرور ، قال : حدثني أحمد بن أبي سليمان ، قال : حدثني سحنون ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول في الحية توجد في المسجد : إنها تقتل ولا يتقدم إليها ، وأما ذوات البيوت ، فإنها يتقدم إليها ثلاثا ثم تقتل .

41050 - قال مالك : قد سمعت ذلك .

41051 - قال أبو عمر : قال بعض أهل العلم : لا تؤذن الحيات ، ولا يناشدن ، ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة ; لهذا الحديث وما كان مثله .

41052 - وممن قال ذلك : عبد الله بن نافع .

[ ص: 259 ] 41053 - وقال آخرون : المدينة وغيرها سواء ; لأن إسلام الجن ، وأنه لا يحل قتل من أسلم من إنسي ولا جني ، وكما نزل من مسلمي الجن بالمدينة من تركها منهم ، كذلك ينزلون غير المدينة ، والله أعلم .

41054 - قال مالك : أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت ، بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ، ولا ينذرن بالصحاري .

41055 - قال أبو عمر : روينا عن عائشة من حديث ابن أبي مليكة وغيره عنها ، أنها قتلت حية بالمدينة ، فأريت في المنام ، أن قائلا يقول لها : قد قتلت مسلما ، قالت : لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقيل لها : ما دخل عليك وإلا وعليك ثيابك : وكان يجيء ليسمع القرآن ، فأصبحت فازعة ، فأمرت باثني عشر ألف درهم ، فجعلت في سبيل الله ، أو في الرقاب .

41056 - وذكر سنيد ، قال : حدثني محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، أن حية طافت بالبيت سبعا ، قال : فجاء عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : أيها الجان ، إنك قد قضيت طوافك بالبيت ، ولا نأمن عليك بعض سفهائنا ، فاذهب ، قال : فحفر الحصباء ببطنه ، ثم ذهب مصعدا في السماء ، قال : فجعلنا ننظر إلى بريق بطنه وهو ذاهب في السماء .

41057 - روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن سعيد بن [ ص: 260 ] أبي وقاص ، وقال : بينا أنا بعبادان . إذ جاءني رسول زوجتي ، فقال : أجب فلانة ، فاستنكرت ذلك ، فدخلت ، فقلت : مه ؟ فقالت : إن هذه الحية - وأشارت إليها - كنت أراها في البادية إذا خلوت ، ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن ، وهي هي أعرفها بعينها ، قال : فخطب سعد خطبة ، حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنك قد آذيتيني ، وإني لأقسم بالله ، إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك ، فخرجت الحية ، وانسابت من باب البيت ومن باب الدار ، فأرسل وراءها سعد إنسانا ، فقال : انظر أين تذهب ؟ فتبعتها حتى جاءت المسجد ، وجاءت منبر رسول الله - صلى الله عليه سلم - ، فرقيت عليه ، ثم صعدت إلى السماء حتى غابت .

41058 - وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب ، بالأسانيد في " التمهيد " ، من ذلك ما :

41059 - حدثني أحمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن فطيس ، قال : حدثني بحر بن نصر ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الجن على ثلاثة أثلاث ; فثلث لهم [ ص: 261 ] أجنحة يطيرون في الهواء ، وثلث حيات وكلاب ، وثلث يحلون ويظعنون " .

41060 - وهذا إسناد جيد ، رواته أئمة ثقاة ، وهو خير من إسناد حديث أبي الدرداء .

41061 - وقد ذكرناه في " التمهيد " .

41062 - قال أبو عمر : ما يحل ويظعن ; الغول ، والسعلاة ، وهو ضرب من ضروب الجن ، وفرع منهم يتصور في القفار والطرق ليلا ونهارا ، فتفزع المسافر ، وتتلون ألوانا في صور شتى ، منها قبيحة ومنها حسنة .

41063 - قال الفضل بن زهير :

فما تدوم على حال تكون بها كما تغول في أثوابها الغول



41064 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إذا تغولت الغيلان ، فبادروا بالأذان " .

41065 - وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه : " إذا تغولت الغيلان ، فأذنوا بالصلاة " .

41066 - وقد ذكرت إسناده في " التمهيد " ، والحمد لله العلي المجيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية