الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1831 [ ص: 266 ] ( 14 ) باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء

1837 - مالك عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب " .

1838 - مالك عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ; أنه كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشيطان يهم بالواحد والاثنين ، فإذا كانوا ثلاثة لا يهم بهم " .


41083 - قال أبو عمر : كأن مالكا - رحمه الله - يجعل الحديث الثاني في هذا الباب تفسيرا للأول .

41084 - والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان ، ويبعد عنهم - وإنما سمي الواحد شيطانا ، والاثنان شيطانان ; لأن الشيطان في أصل اللغة ; هو البعيد من الخير ، من قولهم : نوى شطون ، أي بائنة بعيدة ، فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه ، والأنس به ، وتمريضه ، ودفع وسوسة النفس [ ص: 267 ] بحديثه ، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل ، فتعترضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين .

41085 - وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين ، وكذلك الاثنان ; لأنه إذا مر أحدهما في حاجتهما ، بقي الآخر وحده ، فإن شردت دابته أو نفرت ، أو عرض له في نفسه أو حاله شيء ، لم يجد من يعينه ، ولا من يكفيه ، ولا من يخبر عنه بما يطرقه ، فكأنه قد سافر وحده ، وإذا كانوا ثلاثة ، ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب ; لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ، ويبقى الاثنان ، ثم يخرج الآخر مرة أخرى ، ويبقى الاثنان ، يكون هذا دأبا في الأغلب في أمورهم ، وإن خرج الاثنان ، لم يطل مكث الواحد وحده . هذا ونحوه ، والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك - صلى الله عليه وسلم - .

41086 - وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة ، وعن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إن الشيطان يهم بالواحد ، وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة ، لم يهم بهم " . فوصله وأسنده .

41087 - وقد ذكرنا إسناده في " التمهيد " .

41088 - وقد روي عن عمر بن الخطاب ، من وجوه قد ذكرتها في " التمهيد " أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أراد بحبوحة الجنة ، فليلزم الجماعة ، فإن [ ص: 268 ] الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد " .

41089 - واختلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافا كثيرا .

41090 - قال أبو عمر : أبعد هاهنا بمعنى بعيد - والله أعلم .

41091 - وقد ذكرنا هناك حديث ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا " .

41092 - وقد عرضت لعبد الله بن عمر قصة شنعاء في سفر سافره وحده ، فرأى رجلا خارجا من قبر يتأجج نارا ، في عنقه سلسلة يناديه : يا عبد الله ، اسقني ماء ، إذ خرج رجل بإثره من القبر ، فقال : يا عبد الله ، لا تسقه ، فإنه كافر ، ثم جبذه بالسلسلة فأدخله القبر ، ثم قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر الرجل وحده .

41093 - وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده وتمامه في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية