الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
242 [ ص: 78 ] باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة

211 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال : " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم ، وهو قائم يصلي ، يسأل الله شيئا ، إلا أعطاه إياه " وأشار [ ص: 79 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده يقللها .


[ ص: 80 ] 5960 - هكذا يقول عامة رواة " الموطأ " في هذا الحديث إلا قتيبة بن سعيد ، وابن أبي أويس ، وعبد الله بن يوسف التنيسي ، وأبا المصعب ; فإنهم لم يقولوا في روايتهم لهذا الحديث عن مالك : " وهو قائم يصلي " .

5961 - وهو محفوظ في حديث أبي الزناد هذا من رواية مالك وغيره عنه . وفي رواية أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة .

5962 - وقد ذكرنا ذلك في " التمهيد " .

[ ص: 81 ] 5963 - وفي هذا الحديث دليل على فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، ودليل على أن فيه ساعة هي أفضل من سائر ساعاته .

5964 - والفضائل لا تورد بقياس ، وإنما فيها التسليم لمن ينزل عليه الوحي بما غاب عنه .

5965 - فأما قوله : " وهو قائم يصلي " فإنه يحتمل القيام المعروف ، ويحتمل أن يكون القيام - هنا - المواظبة على الشيء لا الوقوف ، من قوله تعالى : " ما دمت عليه قائما " ( سورة آل عمران الآية 75 ) . أي مواظبا بالاختلاف والاحتضار .

5966 - وعلى هذا التأويل يخرج جماعة الآثار .

5967 - ولا يبعد أن يكون على قول من قال : إنها بعد العصر ، لأنه ليس بوقت صلاة ، ولكنه وقت مواظبة في انتظارها .

قال الأعشى :

يقوم على الوغم في قومه فيعفو إذا شاء أو ينتقم



5969 - لم يرد بقوله : يقوم - هاهنا - الوقوف وإنما أراد المطالبة [ ص: 82 ] بالذحل والمداومة على طلب الوتر حتى يدركه .

5970 - وأما الساعة المذكورة في يوم الجمعة فاختلفت فيها الآثار المرفوعة وكذلك اختلف فيها العلماء .

5971 - وقال قوم : قد رفعت .

5972 - وهذا ليس بشيء عندنا ، لحديث ابن جريج عن داود بن أبي عاصم ، عن عبد الله بن يحنس - مولى معاوية - قال : قلت لأبي هريرة : زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة لا يدعو فيها مسلم إلا استجيب له قد رفعت . قال : كذب من قال ذلك . قلت : فهي في كل جمعة أستقبلها ؟ قال : نعم .

5973 - قال أبو عمر : على هذا تواترت الآثار ، وبه قال علماء الأمصار ، إلا أنهم اختلفوا .

5974 - فذهب عبد الله بن سلام إلى أنها بعد العصر إلى غروب الشمس ، وقال بقوله ذلك جماعة .

5975 - ومن حجتهم حديث يرويه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن الجلاح - مولى عبد العزيز بن مروان - عن أبي سلمة ، عن جابر ، عن النبي - عليه السلام - قال : " يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه ، فالتمسوها آخر ساعة في العصر " .

[ ص: 83 ] 5976 - وقد قيل : إن قوله في هذا الحديث : " فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر " هو من قول أبي سلمة .

5977 - وقال آخرون : الساعة المذكورة يوم الجمعة هي ساعة الصلاة وحينها من الإحرام فيها إلى السلام منها .

5978 - واحتجوا بحديث عمرو بن عوف المزني قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن في الجمعة ساعة من النهار لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطي بقوله " . قيل : أية ساعة هي ؟ فقال : " من حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " .

[ ص: 84 ] 5979 - وهو حديث لم يروه - فيما علمت - إلا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، وليس ممن يحتج به .

5980 - وقال آخرون : الساعة المذكورة يوم الجمعة من حين يفتتح الإمام الخطبة إلى الفراغ من الصلاة .

5981 - واحتجوا بحديث أبي موسى عن النبي - عليه السلام - قال : " إن في الجمعة ساعة لا يسأل العبد فيها ربه إلا أعطاه " . قيل : يا رسول الله : أي ساعة هي ؟ قال : " من حين يقوم الإمام " ، أو " من حين يجلس الإمام إلى أن تقوم الصلاة " .

5982 - رواه ابن وهب عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن النبي ، عليه السلام .

5983 - وروى روح بن عبادة ، عن عوف ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي [ ص: 85 ] بردة بن أبي موسى ، أنه قال لابن عمر : هي الساعة التي يخرج فيها الإمام إلى أن تقضى الصلاة . فقال ابن عمر : أصاب الله بك .

5984 - وروى عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبي ذر أن امرأته سألته عن الساعة التي يستجاب فيها يوم الجمعة للعبد المؤمن ، فقال لها : مع زيغ الشمس بيسير إلى ذراع . فإن سألتني بعدها فأنت طالق .

5985 - وروى وكيع ، عن محمد بن قيس ، قال : تذاكرنا عند الشعبي الساعة التي ترجى في يوم الجمعة ، قال : هي ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل .

5986 - وروى جرير ، عن إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه كان يقول في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة : هي ما بين خروج الإمام إلى انقضاء الصلاة .

5987 - وقال ابن سيرين : هي الساعة التي كان يصلي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

5988 - وقد روى حصين ، عن الشعبي ، عن عوف بن حصيرة ، قال : الساعة التي ترجى في الجمعة من حين تقام الصلاة إلى انصراف الإمام .

[ ص: 86 ] 5989 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في " التمهيد " .

5990 - ويشهد لهذه الأقاويل ما جاء في حديث مالك في هذا الباب : قوله " وأشار بيده يقللها " أي : يصغرها .

5991 - ويحتج أيضا من ذهب إلى هذا بحديث علي عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " إذا زالت الشمس ، وفاءت الأفياء ، وراحت الأرواح ، فاطلبوا إلى الله حوائجكم ، فإنها ساعة الأوابين " ثم تلا : " فإنه كان للأوابين غفورا " ( سورة الإسراء الآية 17 ) 5992 - واحتج أيضا من قال ذلك بحديث أبي هريرة هذا عن النبي - عليه السلام - قوله : " وهو قائم يصلي " قال وبعد العصر لا صلاة في ذلك الوقت ولا يجوز لأحد أن يقوم فيصلي في ذلك الوقت .

5993 - وظاهر الحديث أولى من ادعاء الباطن فيه .

5994 - وممن قال إنها بعد العصر إلى غروب الشمس ابن عباس .

5995 - رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .

5996 - وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس .

التالي السابق


الخدمات العلمية