الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1834 [ ص: 275 ] ( 15 ) باب ما يؤمر به من العمل في السفر

1840 - مالك عن أبي عبيد ; مولى سليمان بن عبد الملك ، عن خالد بن معدان ; يرفعه : " إن الله - تبارك وتعالى - رفيق يحب الرفق ، ويرضى به ، ويعين عليه ما لا يعين على العنف ، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم ، فأنزلوها منازلها ، فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها ، وعليكم بسير الليل ، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار ، وإياكم والتعريس على الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات " .


41133 - قال أبو عمر : هذا الحديث منقطع في " الموطأ " عند جميع الرواة ، وقد روي مسندا من طرق في " التمهيد " ، ونذكر هاهنا بعضها إن شاء الله - تعالى - .

41134 - وأما قوله : " إن الله رفيق يحب الرفق " فقد روي من حديث الحسن ، عن عبد الله بن مغفل ، ومن حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي عليه [ ص: 276 ] ما لا يعطي على العنف " .

41135 - وقد ذكرت الأسانيد للحديثين بذلك في " التمهيد " .

41136 - وذكرت حديث مالك ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إن الله - عز وجل - رفيق يحب الرفق في الأمر كله " .

وهذا عموم يدخل فيه الرفق بالدواب في الأسفار وغيرها .

[ ص: 277 ] 41137 - وخص المسافر في هذا الحديث بالذكر ، فأمر أن يمشي مهلا رويدا ، ويكثر النزول إذا كانت الأرض مخصبة ; لترعى دابته الكلأ وتنال من الحشيش والماء ، وهذا إنما هو في الأسفار البعيدة ، ما لم تضم الضرورة ، إلا أن يجد في السفر ، فإذا كانت جدبة وكان عام السنة ، فالسنة للمسافر أن يسرع في السفر ، ويسعى في الخروج عن بلاد الجدب ، وبدابته رمق ; رمق يقيه من النقي ، والنقي الشحم والقوة ، حتى يحصل في بلد الخصب .

41138 - وأما قوله : " فإن الأرض تطوى بالليل " ، فمعناه - والله أعلم - أن الدابة إذا استراحت نهارا ، كان مشيها بالليل ضعف مشيها بالنهار ، ولهذا المعنى ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الدلجة ، والله أعلم .

41139 - وروى الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بالدلجة ; فإن الأرض تطوى بالليل " .

41139 - ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه : " اللهم اطو له البعد ، وهون عليه السفر " .

41140 - رواه أسامة بن زيد ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي [ ص: 278 ] - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أتاه رجل ليودعه ، فكان من دعائه : " اللهم اطو له البعد ، وهون عليه السفر " .

41141 - وأما اتصال معنى الحديث المرسل لمالك ، عن ابن عبيد عن خالد بن معدان في هذا الباب ، فمحفوظ من حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة .

41142 - حدثني عبد الله بن محمد ، أخبرنا خلف بن سعيد ، حدثني أحمد بن خالد ، حدثني علي بن عبد العزيز ، حدثني محمد بن أبي نعيم الواسطي ، حدثني هشيم ، حدثني عبد الله بن جعفر بن نجيح المدني ، عن أبي الحويرث ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كانت الأرض مخصبة ، فاقصدوا في السير ، وأعطوا الركاب حقها ، فإن الله رفيق يحب الرفق ، وإذا كانت الأرض مجدبة ، فانجوا عنها ، وعليكم بالدلجة ; فإن الأرض تطوى بالليل ، وإياكم والتعريس على [ ص: 279 ] ظهر الطريق فإنه مأوى الحيات ، ومدرجة السباع " .

41143 - وحدثني عبد الوارث بن سفيان ، حدثني قاسم بن أصبغ ، حدثني بكر بن حماد ، قال : حدثني مسدد ، قال : حدثني خالد بن عبد الله ، قال : حدثني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا سافرتم في الخصب ، فأعطوا الإبل حقها من الأرض ، وإذا سافرتم في السنة ، فأسرعوا عليها السير ، وإن أعرستم ، فاجتنبوا الطريق ; فإنه مأوى الهوام بالليل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية