الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1841 [ ص: 291 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

55 - كتاب البيعة

( 1 ) باب ما جاء في البيعة

1847 - مالك عن عبد الله بن دينار ; أن عبد الله بن عمر قال : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، يقول لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فيما استطعتم " .

1848 - وفي هذا الباب أيضا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، أن عبد الله بن عمر ; كان كتب إلى عبد الملك بن مروان ، يبايعه ، فكتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ; لعبد الله ; عبد الملك ; أمير [ ص: 292 ] المؤمنين ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله ، الذي لا إله إلا هو ، وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ما استطعت .


41199 - قال أبو عمر : أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فيما استطعتم " ، وقول ابن عمر - رضي الله عنهما - عن نفسه في بيعته لعبد الملك : فيما استطعت; وذلك كله مقيد بقول الله - عز وجل - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 268 ] وقوله - تعالى - فاتقوا الله ما استطعتم [ التغابن : 16 ] .

41200 - وأصل البيعة حديث عبادة .

41201 - حدثني سعيد بن نصر ، وأحمد بن محمد ، قالا : حدثنا وهب بن مسرة ، وقاسم بن أصبغ ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني عبد الله بن إدريس ، عن يحيى بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا ، وعلى أن لا نخاف في الله لومة لائم " .

[ ص: 293 ] 41202 - قال أبو عمر : فهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أشار إليها عبد الله بن عمر في كتابه إلى عبد الملك بن مروان ، في قوله : وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله ورسوله فيما استطعت .

41203 - وعلى هذا كانت بيعة الخلفاء بعده - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرنا كثيرا من معاني البيعة ، عند ذكرنا حديث عبادة هذا في كتاب الجهاد من هذا الكتاب ; لرواية مالك له هناك ، عن يحيى بن سعيد ، وذكرنا أكثر من ذلك في كتاب " التمهيد " في باب عبد الله بن دينار ، وباب محمد بن المنكدر .

41204 - ذكر سنيد ، قال : حدثني مبشر الحلبي ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن أبي المعيقيب ، قال : شهدت أبا بكر الصديق يبايع الناس بعد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتجتمع عنده العصابة ، فيقول لهم : أتبايعون على السمع والطاعة لله ولكتابه ، ثم للأمير ؟ فيقولون نعم ، قال : فتعلمت شرطه هذا ، وأنا كالمحتلم أو فوقه ، فلما خلا من عنده ، أتيته ، فابتدأته ، فقلت : أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ، ثم للأمير ، فصعد في البصر ، وصوب ، ورأيته أعجبه .

41205 - قال : حدثني معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن عمر أو عمرو بن عطية ، قال : أتيت عمر بن الخطاب وأنا غلام فبايعته على كتاب الله ، [ ص: 294 ] وعلى سنة رسوله ، هي لنا ، وهي علينا ، فضحك وبايعني .

41206 - وروى أبو داود الطيالسي ، وغيره ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عن أنس ، قال : قدمت على عمر بعد هلاك أبي بكر ، فقلت : ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبيك من قبل ، أعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ، فبايعته ، على السمع والطاعة فيما استطعت .

41207 - وذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثني عباد بن العوام ، عن أشعث بن سوار ، عن أبيه ، قال : سمعت موسى بن طلحة قال : بعث في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأنا في الأسارى ، فانطلقت فدخلت فسلمت ، فقال : أتبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس ; قلت : نعم ، فقال : هكذا ، ومد يده فبسطها ، فبايعته ، ثم قال : ارجع إلى أهلك ومالك ، فلما رآني الناس قد خرجت ، جعلوا يدخلون فيبايعون .

41208 - قال أبو عمر : كان هذا يوم الجمل ، بعد الوقعة ، والمبايعون يومئذ كانوا أصحاب عائشة ، والزبير ، وطلحة .

41209 - وأما مد اليد والمصافحة في البيعة ، فذلك من السنة المسنونة ; فعلها [ ص: 295 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون بعده ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصافح النساء .

وفي هذا الباب :

التالي السابق


الخدمات العلمية