الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1848 [ ص: 312 ] ( 2 ) باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام

1854 - مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن بلال بن الحارث المازني ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ' ، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه " .


41275 - قال أبو عمر : لم يختلف رواة " الموطأ " عن مالك ، في إسناد هذا الحديث عن محمد بن عمرو ، عن أبيه ، لم يقولوا : عن جده .

41276 - ورواه جماعة كثيرة ، قد بينتهم في " التمهيد " ، عن محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده ، علقمة بن وقاص ، عن بلال بن الحارث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الأولى والأصح ، إن شاء الله - عز وجل - .

41277 - ولا أعلم خلافا أن الكلمة المذكورة في هذا الحديث : من رضوان الله ، ومن سخط الله ، والمعنى في ذلك مما يرضي الله ، ومما يسخطه ; أنها المقولة [ ص: 313 ] عند السلطان بالخير فيرضى الله ، أو بالشر والباطل ، فيسخط الله ، وذلك أيضا منصوص عليه في الحديث .

41278 - حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني محمد بن بشر ، قال : حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن علقمة بن وقاص ، قال : مر به رجل له شرف ، فقال له علقمة : إن لك رحما ، وإن لك حقا ، وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم ، وإني سمعت بلال بن الحارث المزني ، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه " فقال علقمة : فانظر ويحك ماذا تقول ؟ وماذا تكلم ؟ فرب كلام منعني أن أتكلم به ما سمعت من بلال بن الحارث .

41279 - قال أبو عمر : رواه سفيان بن عيينة ، وسعيد بن عامر ، وأبو معاوية ، وجماعة هكذا .

[ ص: 314 ] 41280 - وقد فسر ابن عيينة هذا الحديث بمعنى ما أصف لك ، قال : هي الكلمة عند السلطان الظالم ليرده بها عن ظلمه في إراقة دم ، أو أخذ مال مسلم ، أو ليصرفه عن معصية الله - عز وجل - أو يعز ضعيفا ، لا يستطيع بلوغ حاجته عنده ، ونحو ذلك مما يرضي الله به .

41281 - وكذلك الكلمة في عونه على الإثم والجور مما يسخط الله به .

41282 - حدثني أحمد بن فتح ، قال : حدثني حمزة بن محمد ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن الحسين ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد العيشي ، قال : حدثني حماد بن سلمة ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة ; أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عند الجمرة : أي الجهاد أفضل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر " .

41283 - وحدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثني محمد بن جعفر ، قال : حدثني شعبة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق ، إذا [ ص: 315 ] علمه " .

41284 - وروي عن عائشة ، وأبي الدرداء بمعنى واحد ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من رفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها إلى السلطان ، ثبت الله قدميه على الصراط " .

41285 - وقد ذكرت إسنادي هذين الحديثين وأثارا كثيرة في معنى هذا الباب ، في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية