الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 369 ] ( 9 ) باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة

1871 - مالك ; أنه بلغه : أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم . إذا كثر الخبث " .


41504 - قال أبو عمر : هذا الحديث لا يعرف لأم سلمة بهذا اللفظ ، وإنما يحفظ هذا اللفظ لزينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما نذكره هنا إن شاء الله .

41505 - وقد سئل ابن وهب ، عن قوله في هذا الحديث : " إذا كثر الخبث " ، فقال : أولاد الزنى .

41506 - وأما حديث أم سلمة فيقرب من هذا الحديث بغير لفظه .

41507 - فمن ذلك ما رواه منذر الثوري ، عن الحسن بن محمد ، قال : حدثتني امرأة من الأنصار ، قالت : دخلت على أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فبينا أنا عندها ، إذ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم بكلام لم أفهمه ، فسألت [ ص: 370 ] أم سلمة بعد خروجه ، فقالت : إن الفساد إذا فشا في الأرض ، ولم يتناه عنه ، أرسل الله بأسه على أهل الأرض . قالت : قلت : يا رسول الله ، وفيهم الصالحون ؟ ! قال : " نعم وفيهم الصالحون ، يصيبهم ما أصابهم ، ويقبضهم الله إلى رحمته ورضوانه ومغفرته " .

41508 - ومن ذلك ما رواه أبو يونس ; حاتم بن أبي صغيرة ، قال : حدثني مهاجر بن القبطية ، أنه سمع أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليخسفن بجيش يغزون هذا البيت بعيدا من الأرض " . فقال رجل : وإن كان فيهم الكاره يا رسول الله ؟ ! قال : " نعم ، ويبعث كل رجل منهم على نيته " .

41509 - وروى علقمة بن مرثد ، عن المعرور بن سويد ، عن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا ظهرت المعاصي في أمتي ، عمهم الله بعذاب من عنده " ، فقلت : يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : " بلى " ، قلت : فكيف بأولئك ؟ قال : " يصيبهم ما أصابهم ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان " .

41510 - فهذا ما وجدته لأم سلمة في هذا الباب .

41511 - وقد ذكرت الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

[ ص: 371 ] 41512 - وأما حديث زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فرواه ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، أنه حدثه أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن زينب بنت جحش ، قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نوم محمرا وجهه وهو يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بيده وعقد عشرا ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا كثر الخبث " .

41513 - هكذا رواه عقيل ، وصالح بن كيسان ، وشعيب بن أبي حمزة ، وسليمان بن كثير ، وعبد الله بن إسحاق ، ومحمد بن الوليد الزبيدي ، كلهم [ ص: 372 ] عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

41514 - ورواه ابن عيينة ، عن الزهري ، فزاد في إسناده امرأة رابعة ، قال في إسناده عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش .

41515 - وقال محمد بن يحيى : المحفوظ عندنا ما قال عقيل ومن تابعه ، وأخطأ ابن عيينة في زيادته فيه المرأة الرابعة .

41516 - قال أبو عمر : قد اختلف في هذا الإسناد عن ابن عيينة ، وقد ذكرنا الأسانيد كلها بذلك في " التمهيد " .

41517 - وقد روى أنس وغيره في هذا الباب نحو رواية زينب وأم سلمة .

41518 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد الحضيبي القاضي ، قال : حدثنا محمد بن نصر بن منصور ; أبو جعفر الصائغ ، قال : حدثني محمد بن إسحاق المسيبي ، قال : حدثنا أبو ضمرة ; أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس بن مالك ، قال : ذكر خسفا قبل المشرق ، فقالوا : يا رسول الله ، إنه يخسف بأرض فيها مسلمون ؟ قال : " نعم ، إذا أكثر أهلها الخبث " .

[ ص: 373 ] 41519 - وروى ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أصاب الله قوما ببلاء ، عم به من بين أظهرهم ، ثم يبعثون على أعمالهم " .

41520 - وروى الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سمعه يقول على المنبر : " مثل المنتهك لحدود الله ، والمدهن فيها ، والقائم بها مثل ثلاثة نفر اصطحبوا في سفينة ; فجعل أحدهم يحفرها ، فقال الآخر : إنما تريد أن تغرقنا وقال الآخر : دعه ، فإنما يحفر في نصيبه وموضعه " . وذكر الحديث .

41521 - أخبرنا خلف بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا قزعة بن سويد ، قال : حدثنا سيف بن سليمان ، عن عدي بن عدي ، عن أبيه ، عن مولاه ، عن جده ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغير على الخاصة ، فإذا لم تغر العامة على الخاصة ، عذب الله العامة والخاصة " .

41522 - قال أسد : وحدثنا الفرج بن فضالة ، عن لقمان بن عامر ، عن أبي [ ص: 374 ] الدرداء ، قال : " لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم سلطانا صعبا ; فلا يجل كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ثم يدعو عليهم خياركم فلا يستجاب لهم " .

41523 - وقد ذكرت في " التمهيد " كثيرا من الآثار المرفوعة وغير المرفوعة في هذا المعنى ، مما يقتضي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن الإنكار بالقلب يكفي ; إذا لم يقدر على غير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية