الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1875 1881 - مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ; أنه سمع أنس بن مالك يقول : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ آل عمران : 92 ] قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! إن الله - تبارك تعالى - يقول : [ ص: 397 ] لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ آل عمران : 92 ] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بخ ! ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيه ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه .


41611 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث أكثر رواة " الموطأ " ، عن مالك ، كلهم قال فيه : " فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه " .

41612 - وكذلك رواه علي بن عبد العزيز ، عن القعنبي عن مالك .

[ ص: 398 ] 41613 - ورواه إسماعيل بن إسحاق ، عن القعنبي ، فقال فيه : فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقاربه ، وبني عمه .

41614 - ولم يختلف العلماء ، أن الأقارب ، وبني العم هاهنا هم أقارب أبي طلحة ، لا أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا غيره .

41615 - وقد روي ذلك منصوصا من رواية الثقات أيضا .

41616 - حدثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا بشر بن الوليد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما نزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ آل عمران : 92 ] جاء أبو طلحة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ، قال : وكانت دار ابن جعفر ، والدار التي تليها إلى قصر ابن جديلة حوائط لأبي طلحة ، يقال له : بيرحاء . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ، ويشرب من مائها ، ويأكل من تمرها ، فجاء أبو طلحة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، على المنبر ، فقال : إن الله يقول : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، فهي لله ورسوله ، أرجو بره وذخره ، [ ص: 399 ] اجعلها يا رسول الله ، حيث أراك الله ; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بخ ذلك يا أبا طلحة ، مال رابح ، قد قبلناه منك ، ورددناه عليك ، فاجعله في الأقربين " ، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه ، فكان منهم أبي بن كعب ، وحسان بن ثابت ، قال : فباع حسان نصيبه من معاوية ، فقيل له : يا حسان ، تبيع صدقة أبي طلحة ؟ فقال : ألا أبتاع صاعا من تمر بصاع من دراهم .

41617 - وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثنا أبي ، عن ثمامة ، عن أنس ، وحميد الطويل عن أنس ، وهذا لفظ أبي .

41618 - قال أنس : كانت لأبي طلحة أرض ، فجعلها لله - تعالى - ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : " اجعلها في أقاربك " . فجعلها لحسان وأبي . قال أنس : وكانا أقرب إليه مني .

41619 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، قال : بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، أنه قال : أبو طلحة الأنصاري ; زيد بن سهل بن الأسود بن حزام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .

[ ص: 400 ] 41620 - وحسان بن ثابت بن المنذر بن حزام ، يجتمع مع أبي طلحة ، وحسان في حزام .

41621 - قال : وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار . قال الأنصاري : بين أبي طلحة وأبي ستة آباء قال : وعمرو بن مالك يجمع حسان وأبيا وأبا طلحة .

41622 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " ما بدا إلينا من وجوه معاني حديث أنس في قصة أبي طلحة ، وتقصينا ذلك هناك .

41623 - ونذكر هاهنا طرفا ; فمن ذلك أنه جائز أن يضاف إلى الرجل الفاضل حب المال ، وجائز أن يضيف ذلك إلى نفسه .

41624 - وقد قال أبو بكر لعائشة : " ما أجد أحب إلي غنى منك ، ولا أعز علي فقرا منك " .

41625 - وفيه إباحة دخول جنات الأصدقاء ، والإخوان الأصفياء ، والأكل من ثمارها ، والشرب من مائها بغير إذنهم .

[ ص: 401 ] 41626 - وذلك كله إذا علم أن نفس صاحبها تطيب بذلك ، ولم يكن ممن يتشاح الناس فيه ، وكان تافها .

41627 - وقيل : إن كسب العقار من شأن الأبرار ، وأن اكتساب ذلك بالهبة وغير الهبة ، مباح حلال أخذ الناس فيه ، وكان تائها لا باد لهم .

41628 - وفيه دليل على أنه يستعذب الماء للفضلاء الجلة العلماء .

41629 - وفيه أن من أخرج شيئا من ماله ، فجائز جعله حيث أراه الله من سبل الخير ، وجائز أن يشاور فيه ، ويصدر عنه برأي من يثق برأيه في ذلك ، وليس ذلك وجه معلوم لا يتعدى ، كما قال من قال : معنى قول الرجل : لله ، وفي سبيل الله كذا دون كذا .

41630 - وفيه دليل على أن الصدقة على الأقارب الفضلاء من أعمال البر ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشهد إلا بالأفضل من الأعمال .

41631 - وقد قالوا : الصدقة على الأقارب صدقة وصلة .

41632 - وقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصدقة على الأقارب على العتق ; بدليل حديث بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن ميمونة ، قالت : كانت لي جارية ، فأعتقتها ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبرته ، فقال : " آجرك الله ، لو [ ص: 402 ] أعطيتها إخوانك كان أعظم لأجرك " .

41633 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا حمزة ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا هناد بن السري ، عن عبدة ، عن ابن إسحاق ، عن بكير بن الأشج ، فذكره .

41634 - وروى سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا محمد بن المنكدر ، قال : لما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [ آل عمران : 92 ] قال زيد بن حارثة : اللهم إنك تعلم أنه ليس مال أحب إلي من فرسي هذا ، وكان له فرس يقال له : سبل ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا في سبيل الله ، فقال لأسامة : " اقبضه " . فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قد قبلها منك " .

41635 - وروى حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن المنكدر ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية