الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1883 1889 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب [ ص: 418 ] على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله ، فيسأله أعطاه أو منعه " .


41700 - هكذا رواه يحيى : " ليأخذ أحدكم " .

41701 - وتابعه أكثر رواة " الموطأ " على ذلك .

41702 - فقالت منهم طائفة : " لأن يأخذ " ، منهم معن بن عيسى ، وابن نافع .

41703 - وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من وجوه ، منها حديث ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرناه وغيره من مسند هذا الباب في " التمهيد " .

41704 - ومن أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا حفص بن عمر النمري ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة الفزاري ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ; فمن شاء أبقى على وجهه ، ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بدا " .

41705 - قال أبو عمر : هذا حديث مسند صحيح ثابت ، وهو أصل عند العلماء [ ص: 419 ] في سؤال السلطان خاصة ، وقبول جوائزه وأعطيته على كل حال ، ما لم يعلمه حراما بعينه .

41706 - وعموم هذا الحديث يقتضي جميع السلاطين ، والأمراء بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها . . " الحديث .

41707 - وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي حسان ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر ، كان يقبل جوائز الأمراء .

41708 - وروى الأعمش وغيره ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : رأيت هدايا المختار تأتي ابن عباس ، وابن عمر ، فيقبلانها .

41709 - قال أبو عمر : قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء ; منهم عامر الشعبي ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وابن شهاب الزهري ، والقاسم بن مخيمرة ، والحسن بن محمد بن الحنفية ، وثابت البناني ، ويزيد الرقاشي ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وكان يحيى بن سعيد الأنصاري ، في ديوان الوليد ، وكان جماعة من العلماء يأخذون من بني أمية العطاء .

[ ص: 420 ] 41710 - وكان سفيان الثوري يقول : جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان ; لأن الإخوان يمنون ، وكان يحتج بقول ابن مسعود : ذلك المهنى ، وعليك المأثم .

41711 - وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا الأعرابي ، قال : حدثنا عباس الدوري ، قال : سمعت يحيى بن معين ، يقول : حدثني عبيد الله بن ثور بن أبي الخلال العتكي ، قال : حدثنا الخلال بن ثور ، عن عبد المجيد بن وهب ، عن أبي الخلال ، قال : سألت عثمان بن عفان ، عن جائزة السلطان ، قال لحم ظبي ذكي .

41712 - قال أبو عمر : روينا عن الحسن بن أبي الحسن ، من وجوه أنه كان يقول : لا يرد جوائزهم إلا أحمق أو مراء .

41713 - قال أبو عمر : ما أعلم أحدا لم يقبل جوائز السلطان من علماء التابعين ، إلا سعيد بن المسيب ، وابن سيرين .

41714 - وقد ذكرنا كثيرا من الآثار عنهم في " التمهيد " ، وقد أفرد لها أحمد بن خالد - رحمه الله - وكان أعلم رجل بالأندلس ، جمع علم الأصول [ ص: 421 ] والفروع كتابا ، جمع فيه ما انتهى من ذلك إليه .

41715 - وزدنا فيه آثارا لم يروها ، والله أعلم .

41716 - وأما سؤال الناس فمكروه ، غير جائز ، لم نجد عنه بدا .

41717 - حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا أحمد ، قال : حدثنا سحنون ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، أنه سمع أباه يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما يزال الرجل يسأل الناس ، حتى يأتي يوم القيامة ، وليس في وجهه مزعة لحم " .

41718 - ومن حديث شعبة ، عن بسطام بن مسلم ، عن عبد الله بن خليفة ، عن عائذ بن عمرو ، أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه ، فلما وضع رجله على إسكفة الباب ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو تعلمون ما في السؤال ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا " .

41719 - وحديث ثوبان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من تكفل لي ألا يسأل الناس [ ص: 422 ] شيئا أتكفل له الجنة " .

41720 - وحديث قبيصة بن المخارق ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث ; رجل تحمل بحمالة ، فحلت له المسألة حتى يصيبها ، ثم يمسك ، ورجل أضاقته جائحة ، فاجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو سدادا من عيش ، ثم يمسك ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : قد أصابت فلان الفاقة ، فحلت له المسألة ، فسأل حتى يصيب قواما من عيش ، أو سدادا من عيش ، ثم يمسك ، وما سواهن من المسائل يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا " .

41721 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار وغيرها ، وفي معناها في " التمهيد " . والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية