الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
23 21 - مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول : إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها . ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله .


577 - هكذا هذا الحديث في الموطأ من قول يحيى بن سعيد .

578 - وهو مروي عن النبي - عليه السلام - إلا أنها وجوه ضعيفة الإسناد ، ويردها أيضا أطول الآثار الصحاح .

579 - فمن ذلك أن غير مالك طائفة تروي هذا الحديث ، عن يحيى بن سعيد ، عن يعلى بن مسلم ، عن طلق بن حبيب ، عن النبي - عليه السلام - وهذا مرسل .

580 - وطلق بن حبيب ثقة عندهم فيما نقل ، إلا أنه رأس من رؤوس المرجئة ، وكان مع ذلك عابدا فاضلا ، وكان مالك يثني عليه لعبادته ، ولا يرضى مذهبه .

[ ص: 280 ] 581 - وقد روي مسندا إلا أنه حديث يدور على يعقوب بن الوليد ، وهو متروك الحديث .

[ ص: 281 ] 582 - حدثنا أحمد بن القاسم بن عيسى قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن حنانه قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثني جدي قال : حدثنا يعقوب بن الوليد ، عن ابن أبي ذئب ، عن ( . . . . ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أحدكم ليصلي الصلاة وما فاته من وقتها أشد عليه من أهله وماله " .

583 - وأما الأصول التي ترد هذا الحديث : ( فمنها ) حديث نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " .

584 - فلم يقع التمثيل والتشبيه هاهنا إلا لمن فاته وقت الصلاة كله بدليل قوله : " من أدرك ركعة من العصر " وبدليل قوله حين صلى في طرفي الوقت : " ما بين هذين وقت " .

585 - وحديث يحيى بن سعيد يدل أن من فاته بعض وقت الصلاة في حكم من فاته الوقت كله في ذهاب أهله وماله .

586 - وقد حكى ابن القاسم ، عن مالك : أنه لم يعجبه قول يحيى بن سعيد المذكور ، وذلك لما وصفنا ، والله أعلم .

587 - وقد يحتمل حديث يحيى بن سعيد ، وما كان مثله من الحديث المسند : فمن فاته أول الوقت أن يكون قد فاته من الفضل ما كان خيرا من أهله وماله ; [ ص: 282 ] لأن الفضائل التي يستحق عليها ثواب الآخرة قليلها أفضل من الدنيا وما فيها ، لا أنه كمن وتر أهله وماله على ما في حديث ابن عمر .

588 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " .

589 - والذي يفيدنا حديث يحيى بن سعيد والحديث المرفوع - تفضيل أول الوقت على آخره ; لأن من فاته أول الوقت فاته كمن فاته الوقت كله .

590 - والدليل على تفضيل أول الوقت على آخره حديث أبي عمرو الشيباني ، عن ابن مسعود قال : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة لأول وقتها " .

591 - وحديث عبد الملك بن عمير ، عن أبي خيثمة ، عن الشفاء : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها " .

592 - وحديث عبد الله بن عمر ، عن القاسم بن غنام ، عن بعض أمهاته ، عن أم فروة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل ؟ قال : " الصلاة في أول وقتها " .

593 - وقد ذكرنا هذه الآثار من طرق في كتاب " التمهيد " .

594 - وفي قوله تعالى : " فاستبقوا الخيرات " ( البقرة : 148 ) ما يكفي ، مع أنه معلوم في شواهد العقول أنه مزيد ، وإلى الطاعة أفضل ممن تأخر عنها ، وإن كان مباحا له التأخير ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية