الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
252 [ ص: 146 ] باب ما جاء في قيام رمضان

221 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ; يصلي الرجل [ ص: 147 ] لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي [ ص: 148 ] تنامون عنها أفضل من التي تقومون . يعني آخر الليل . وكان الناس يقومون أوله .


6247 - قال أبو عمر : الأوزاع في هذا الحديث هم الجماعات المتفرقون ، وقد يقال للجماعة المتفرقة : عزون ، قال الله تعالى : " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين " ( سورة المعارج الآية 37 ) أي جماعات متفرقة .

[ ص: 149 ] 6248 - وفي حديث سمرة بن جندب قال : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن جلوس متفرقون ، فقال : " ما لي أراكم عزين ؟ " .

6249 - وفيها وجوه لأهل التفسير ، معانيها كلها متقاربة .

6250 - وفي الحديث نفسه ما يدل على تفسير الأوزاع ; لأنهم كانوا يصلون متفرقين خلف كل إمام رهط ، فجمعهم عمر على قارئ واحد ، واختار لهم أقرأهم ، امتثالا - والله أعلم - لقوله ، عليه السلام : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " .

[ ص: 150 ] 6251 - رواه أبو مسعود الأنصاري عن النبي .

6252 - وقد روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " وأقرؤهم أبي بن كعب " .

6253 - وقال عمر بن الخطاب : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي .

6254 - وفي خروجه ليلة أخرى - والناس يصلون بصلاة قارئهم - فقال : نعمت البدعة . دليل على أنه كان لا يصلي معهم ، وأنه كان يتخلف عنهم ، إما لأمور المسلمين ، وإما للانفراد بنفسه في الصلاة .

6255 - وروى ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس ، قال : سمعت ابن عباس يقول : دعاني عمر أتغدى عنده في شهر رمضان - يعني السحور - فسمع هيعة الناس حين انصرفوا من القيام ، فقال عمر : أما إن [ ص: 151 ] الذي بقي من الليل أحب إلي مما مضى منه .

6256 - وفيه دليل على أن قيامهم كان أول الليل ، ثم جعله عمر في آخر الليل ، فلم يزل كذلك في معنى ما ذكر مالك إلى زمان أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية