الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
253 222 - وروى مالك في هذا الباب ، عن محمد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد ، أنه قال : أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة . قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين ، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر .


6257 - ورواه ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أمية ، عمن حدثه عن السائب بن يزيد قال : أمر عمر أبي بن كعب أن يقيم بالناس في شهر رمضان ، فكان القارئ يقرأ بالمئين ولا ينصرف من القيام حتى يرى فروع الفجر ، لم يذكر ابن عيينة في هذا الخبر تميما الداري مع أبي بن كعب كما ذكره مالك .

[ ص: 152 ] 6258 - وقد يمكن أن يكون تميم الداري أقيم للنساء ; لأن في حديث ابن شهاب - وهو أثبت حديث في هذا الباب - أنه جمعهم على أبي بن كعب .

6259 - وقد روى ابن عيينة عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب جمع الناس في قيام رمضان : الرجال على أبي بن كعب ، والنساء على سليمان بن أبي حثمة ، فيمكن أن يكون تميم الداري أقيم وقتا ما للنساء ، والله أعلم .

6260 - وابن عيينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك قال : لما دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان أبق إمامنا - يعني أبي بن كعب - وكان يصلي بالرجال .

6261 - وأما قول عمر : نعمت البدعة في لسان العرب : اختراع ما لم يكن وابتداؤه ، فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها ، والنهي عنها ، والأمر باجتنابها ، وهجران مبتدعها ، إذا تبين له سوء مذهبه . وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة - كما قال عمر - لأن أصل ما فعله سنة .

[ ص: 153 ] 6262 - وكذلك قال عبد الله بن عمر في صلاة الضحى ، وكان لا يعرفها ، وكان يقول : وللضحى صلاة ؟

6263 - وذكر ابن أبي شيبة ، عن ابن علية ، عن الجريري ، عن الحكم ، عن الأعرج ، قال : سألت ابن عمر عن صلاة الضحى ، فقال : بدعة ، ونعمت البدعة .

6264 - وقد قال تعالى - حاكيا عن أهل الكتاب - : " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله " ( سورة الحديد - الآية 27 ) .

6265 - وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله .

6266 - وأما قوله : والتي ينامون عنها أفضل ، فلما جاء في دعاء الأسحار .

6267 - وقد أثنى الله على المستغفرين بالأسحار .

6268 - وجاء عن أهل العلم بتأويل القرآن في قوله تعالى - حاكيا عن يعقوب - : " سوف أستغفر لكم ربي " ( سورة يوسف : الآية 98 ) . قالوا : أخرهم إلى السحر .

6269 - وقال - عليه السلام - : " ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل " ، ويروى : " نصف الليل ، فيقول : هل من داع ؟ هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ " .

6270 - وسيأتي ذكر هذا الحديث في موضعه .

[ ص: 154 ] 6271 - وفي حديث مالك ، عن محمد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد ، قال : أمر عمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة .

6272 - هكذا قال مالك في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة . وغير مالك يخالفه فيقول في موضع : إحدى عشرة ركعة ، إحدى وعشرين ، ولا أعلم أحدا قال في هذا الحديث : إحدى عشرة ركعة غير مالك والله أعلم .

6273 - إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر - بإحدى عشرة ركعة ، ثم خفف عليهم طول القيام ، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة ، يخففون فيها القراءة ، ويزيدون في الركوع والسجود ، إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة - الوهم ، والله أعلم .

6274 - وذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس وغيره ، عن محمد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد : أن عمر بن الخطاب جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وتميم الداري على إحدى وعشرين ركعة ، يقومون بالمئين ، وينصرفون في فروع الفجر .

6275 - وروى وكيع ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب نهر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة .

6276 - وروى الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، عن السائب بن يزيد ، قال : كنا ننصرف من القيام على عهد عمر . وقد دنا فروع الفجر وكان القيام [ ص: 155 ] على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة .

6277 - وهذا محمول على أن الثلاث للوتر ، والحديث الأول على أن الواحدة للوتر والوتر بواحدة قد تقدمها ركعات يفصل بينهن وبينها بسلام وبثلاث لا يفصل بينها بسلام .

6278 - كل ذلك معروف معمول به بالمدينة ، وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب ، ونذكر وجه اختيار مالك لما اختاره من ذلك ، إن شاء الله .

6279 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمران بن موسى أن يزيد بن خصيفة أخبره ، عن السائب بن يزيد ، قال : جمع عمر الناس على أبي بن كعب وتميم الداري ، فكان أبي يوتر بثلاث ركعات .

6280 - وعن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : كان أبي يوتر بثلاث لا يسلم إلا من الثالثة مثل المغرب .

6281 - وقد سئل مالك عن الإمام يوتر بثلاث لا يفصل بينهن ، فقال : أرى أن يصلى خلفه ولا يخالف .

6282 - قال مالك : كنت أنا أصلي معهم فإذا كان الوتر انصرفت ولم أوتر معهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية