الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 283 ] 595 - قال مالك : من أدرك الوقت وهو في سفر ، فأخر الصلاة ساهيا أو ناسيا حتى قدم على أهله ، أنه إن كان قدم على أهله وهو في الوقت ، فليصل صلاة المقيم . وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت ، فليصل صلاة المسافر ; لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه .

قال مالك : وهذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا .


596 - أما قوله : ساهيا فهو الذي يسهو فلا يذكر غفلة وشغلا ، وأما قوله : ناسيا فهو الذي يذكر في أول الوقت صلاته ثم ينسى . وقد قيل : إن السهو والنسيان متداخلان ، ومعناهما واحد .

597 - وأما قوله : إن كان قدم على أهله وهو في الوقت ، وقوله : إن كان قدم وقد ذهب الوقت فقد تقدم مذهبه وما يراعى من الوقت في ذلك ، وما كان مثله في صلاتي النهار وصلاتي الليل ، وفي الآخرة منها عند ذكر قوله - عليه السلام - : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس " فلا وجه لتكرار ذلك .

598 - وأما قوله : إنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه : فإن الحجة في ذلك قوله - عليه السلام - : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها " .

[ ص: 284 ] 599 - فأشار إلى المنسية وهي التي فاتته ووجبت عليه فيقضيها على حسب ما كان يصليها ; لأنها لزمته بالذكر فصارت واجبة عليه بهيئتها ، وهذه المسألة يختلف فيها الفقهاء أئمة الفتوى : فذهب مالك إلى ما ذكرنا هاهنا ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي ، كلهم يقول : إذا خرج وقد بقي عليه من الوقت شيء أقله ركعة قصر ، ومن قدم وقد بقي عليه من الوقت مثل ذلك أتم .

600 - وقال الشافعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وزفر : إذا خرج بعد دخول الوقت بمقدار ما يصلي فيه تلك الصلاة ، أو ركعة منها أتم .

601 - قال أبو عمر : قد مضى في آخر الوقت المختار في صلاة العتمة : ثلث الليل ، ونصف الليل في الأحاديث المسندة ، وقول عمر وغيره - ما فيه إيضاح هذا المعنى ، وبالله التوفيق .

[ ص: 285 ] 602 - وكذلك إن قدم المسافر قبل خروج الوقت أتم .

603 - وقد مضى في هذا مراعاتهم للركعة وللتكبير .

604 - ومن راعى أول الوقت وتمكن الصلاة فيه ، ومن راعى آخره واعتبر الركعة منه ، فأغنى عن إعادته هاهنا .

605 - وأما اختلافهم فيمن نسي صلاة السفر فلم يذكرها إلا وهو مسافر - وهو من هذا المعنى - فإن مالكا ، والثوري ، وأبا حنيفة ، وأصحابه قالوا : إذا نسي صلاة حضرية فذكرها في السفر صلى أربعا ، وإن نسيها سفرية وذكرها في الحضر صلى ركعتين .

606 - وقال الأوزاعي ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل : يصلي صلاة مقيم في المسألتين معا ; لأن الأصل أربع ، فإذا زالت علة السفر لم يجزه إلا أربع ، ويؤخذ له مع الاختلاف بالثقة ليؤدي فرضه بيقين .

607 - وقال البصريون ، وابن علية ، وطائفة - وهو قول الحسن البصري - : من نسي صلاة في حضر فذكرها في سفر صلاها سفرية ، ولو نسيها في السفر وذكرها في الحضر صلاها أربعا ; لأنها وجبت عليه بالذكر لها ، فيصليها كما من لم ينسها ، وكما لو نسيها وهو مريض وذكرها صحيحا صلاها قائما كما يقدر ، ولو نسيها صحيحا فذكرها وهو مريض صلاها قاعدا على حسب طاقته وحاله في الوقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية