الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
264 [ ص: 228 ] باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر

234 - ذكر فيه مالك عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن .


[ ص: 229 ] 6547 - في هذا الحديث الوتر بواحدة وهو رد لقول من قال : لا يوتر بثلاث لا يفصل بينهن بسلام .

6548 - وسيأتي القول في هذه المسألة في موضعها من الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى .

6549 - وهكذا هذا الحديث عند رواة " الموطأ " .

6550 - وخالف أصحاب ابن شهاب مالكا في معنى منه ، وذلك أنهم جعلوا الاضطجاع فيه بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر .

6551 - ومن أصحاب ابن شهاب من قال فيه : كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم منها في كل ويوتر بواحدة . هكذا رواه ابن أبي ذئب ، ويونس بن يزيد ، والأوزاعي ، عن ابن شهاب .

[ ص: 230 ] 6552 - ورواه معمر ، وعقيل ، وشعيب ، كما رواه مالك ، لم يقولوا : يسلم من كل ركعتين ، ولا ذكروا : يوتر بواحدة ولم يختلفوا في إسناده عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة .

6553 - وقد ذكرنا ذلك بالأسانيد عنهم في " التمهيد " .

6554 - وقد أنكر أهل الحديث على مالك قوله في هذا الحديث : أوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن .

6555 - وقالوا : لم يذكر غيره في الحديث عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضطجع على شقه الأيمن إلا بعد ركعتي الفجر .

6556 - كذلك رواه عمرو بن الحارث ، ويونس ، وابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة . . . الحديث ، وفي آخره : فإذا تبين له الفجر [ ص: 231 ] وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة .

6557 - قال أبو عمر : قد قال يحيى بن معين : إن أصحاب ابن شهاب إذا اختلفوا فالقول ما قاله مالك ، فهو أثبتهم في ابن شهاب ، وأحفظهم لحديثه ، وممكن أن يكون اضطجاعهم مرة كذا ومرة كذا .

6558 - وغير نكير أن يكون ما قاله مالك ; لأنه موجود من روايته ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : بت عند خالتي ميمونة ، قال : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين . . . الحديث ، قال : ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فصلى ركعتين .

6559 - ففي هذا الحديث أن اضطجاعه كان بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر .

6560 - ولكنه لم يتابع على ذلك في حديث ابن شهاب هذا ، وإنما يقولون فيه : عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة ، ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، فإذا سكت المؤذن الأول من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن .

6561 - وقد ذكرنا من ساقه هكذا ، ومن خالف فيه في هذا الباب .

6562 - وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن قيام الليل سنة مسنونة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 232 ] 6563 - وقد مضى القول في ذلك في الباب قبل هذا .

6564 - وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل مثنى مثنى " . ما يقضي لرواية من روى في هذا الحديث أنه كان يسلم في كل ركعتين .

6565 - وقد زعم قوم أن اضطجاعه - صلى الله عليه وسلم - بعد ركعتي الفجر سنة .

6566 - واحتجوا بحديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه .

[ ص: 233 ] 6567 - وإسناده مذكور في " التمهيد " .

6568 - وأبى جماعة من أهل العلم ذلك وقالوا : ليس الاضطجاع سنة ، وإنما كان ذلك منه راحة لطول قيامه .

6569 - واحتجوا بحديث أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر ، فإن كنت نائمة اضطجع ، وإن كنت مستيقظة حدثني .

[ ص: 234 ] 6570 - وفي لفظ بعض الناقلين لهذا الحديث : إن كنت مستيقظة حدثني وإلا فاضطجع .

6571 - وروى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : لا بأس بالضجعة بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح إن لم يرد بذلك الفصل بينهما .

6572 - وقال الأثرم : سئل أحمد بن حنبل ، وأنا أسمع ، عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر . فقال : ما أفعله أنا ، فإن فعله رجل ثم سكت ، كأنه لم يعبه إن فعله . قيل له : لم لم تأخذ به ؟ ليس فيه حديث يثبت .

6573 - قلت له : حديث الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ؟ قال : رواه بعضهم مرسلا .

6574 - وعن ابن عمر ، وإبراهيم النخعي ، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وجابر بن زيد أنهم أنكروا الضجعة بعد ركعتي الفجر ، وقال ابن عمر : إنها بدعة .

6575 - وفي هذا الحديث من رواية جماعة من أصحاب ابن شهاب اتخاذ مؤذن ثابت للأذان ، وفيه إشعار المؤذن للإمام لدخول الوقت ، وفي ذلك ما يدل على أن على المؤذنين ارتقاب الأوقات .

6576 - واحتج بعض من لا يجيز الأذان بصلاة الصبح قبل الفجر بحديث ابن شهاب هذا من رواية عقيل وغيره ، قوله فيه : فإذا سكت المؤذن الأول لصلاة الفجر قام فصلى ركعتين خفيفتين .

6577 - قالوا : فهذا يدل على أن الأذان لصلاة الفجر إنما كان بعد الفجر في حين يجوز عمل ركعتي الفجر لقوله : إذا سكت المؤذن الأول .

[ ص: 235 ] 6578 - وهذا التأويل قد عارضه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بلالا ينادي بليل " . وقد مضى القول فيه والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية