الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
24 22 - مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر أغمي عليه ، فذهب عقله ، فلم يقض الصلاة .

قال مالك : وذلك فيما نرى ، والله أعلم ، أن الوقت قد ذهب ، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي .


617 - قال أبو عمر : ذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما مذهب ابن عمر في الإغماء : أنه لا يقضي ما فاته في إغمائه من الصلوات التي أغمي عليه فيها إن خرج وقتها .

[ ص: 288 ] 618 - وقد خالف ابن عمر في ذلك : عمار ، وعمران بن حصين .

619 - ونذكر ذلك ومن ذهب إليه من الفقهاء أئمة الأمصار بعد ، إن شاء الله ، وبالله التوفيق .

620 - وحجة مالك ومن ذهب مذهبه ، ومذهب ابن عمر في ذلك أن القلم مرفوع عن المغمى عليه قياسا على المجنون المتفق عليه ; لأنه لا ( يشبه ) المغمى عليه إلا أصلان : ( أحدهما ) : المجنون الذاهب العقل ، ( والآخر ) : النائم .

621 - ومعلوم أن النوم لذة ، والإغماء مرض ، فهي بحال المجنون أشبه ، والأخرى أن المغمى عليه لا ينتبه بالإنباه بخلاف النائم .

622 - ولما كان العاجز عن القيام في الصلاة يصلي جالسا ، ويسقط عنه القيام ، ثم إن عجز عن الجلوس سقط عنه حتى يبلغ حاله مضطجعا إلى الإيماء فلا يقدر على الإيماء فيسقط عنه ما سوى الإيماء فكذلك إن عجز عن الإيماء بما لحقه من الإغماء يسقط عنه فلا يلزمه إلا ما يراجعه عقله وذهنه في وقته لا ما انقضى وقته .

623 - هذا ما يوجبه النظر ; لأنها مسألة ليس فيها حديث مسند .

[ ص: 289 ] 624 - وفيها عن ابن عمر ، وعمار بن ياسر اختلاف : فابن عمر لم يقض ما خرج وقته ، وعمار أغمي عليه يوما وليلة فقضى .

625 - وقد روي عن عمران بن حصين مثل ذلك .

626 - ذكر ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن رجل يقال له : يزيد ، عن عمار بن ياسر : أنه أغمي عليه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فأفاق في بعض الليل فقضاهن .

627 - قال : وحدثنا حفص بن غياث ، عن التيمي ، عن أبي مجلز ، عن عمران بن حصين قال : يقضي المغمى عليه الصلوات كلها .

628 - فذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابه إلى مذهب ابن عمر .

629 - وهو قول طاوس ، والحسن ، وابن سيرين ، والزهري ، وربيعة ، والأوزاعي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وبه قال أبو ثور .

630 - وكل هؤلاء يجعل وقت الظهر والعصر النهار كله إلى المغرب ، ووقت المغرب والعشاء الليل كله على ما تقدم من أصولهم في ذلك .

631 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن أغمي عليه يوما وليلة قضى ، وإن أغمي عليه أكثر لم يقض ، وجعلوا من أغمي عليه يوما وليلة في حكم النائم ، ومن أغمي عليه أكثر في حكم المجنون الذي رفع عنه القلم .

632 - قالوا : وإنما قضى عمار ; لأنه أغمي عليه يوما وليلة ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحكم ، وحماد ، وإسحاق بن راهويه .

633 - وقال الحسن بن حي : من أغمي عليه خمس صلوات فما دونهن قضى ذلك كله ، وإن أغمي عليه أياما قضى خمس صلوات ، ينظر حين يفيق فيقضي ما يليه .

[ ص: 290 ] 634 - وقال عبيد الله بن الحسن : المغمى عليه كالنائم يقضي كل صلاة في أيام إغمائه .

635 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وهو قول عطاء بن رباح .

636 - ورواية محمد بن رستم ، عن محمد بن الحسن : أن النائم إذا كان نومه أكثر من يوم وليلة لم يقض - منكرة ، شاذة ، خارجة عن الأصول ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر النائم بقضاء ما نام عنه من الصلوات ، ولم يحد في ذلك حدا ، ولو كان من شرعه في ذلك حد بعدد أو وقت لذكره ، والله أعلم .

637 - واختلف عن الثوري في المغمى عليه : فقال مرة كقول أبي حنيفة ، وقال الفريابي عنه : إنه كان يعجبه أن يقضي صلاة يوم وليلة كقول الحسن بن حي .

638 - وروي عن قبيصة ، عن سفيان فيمن أغمي عليه يومين وليلتين ثم أفاق بعد طلوع الشمس : لم يكن عليه قضاء الفجر ، وإذا أغمي عليه قبل الفجر ثم أفاق بعدما طلعت الشمس ، فأحب إلي أن يقضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية