الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
286 256 - وروى مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أن عائشة قالت : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخفف ركعتي الفجر حتى أني لأقول : أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا ؟


[ ص: 294 ] 6882 - وقد ذكرنا من أسند هذا الحديث عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال ، عن عمرة ، عن عائشة من الثقات .

6883 - وهو حديث ثابت صحيح بهذا الإسناد .

6884 - وحديث أبي الرجال ، عن عمرة ، عن عائشة ، رواه شعبة وغيره ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، سمع عمرة ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر صلى ركعتين فأقول : أقرأ [ ص: 295 ] فيهما بفاتحة الكتاب أم لا ؟

6885 - وقد روى يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة .

6886 - وهو عندي وهم ، والله أعلم وإنما هو ليحيى بن سعيد ، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال ، عن أمه عمرة ، عن عائشة .

[ ص: 296 ] 6887 - وقد رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .

6888 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في " التمهيد " .

6889 - وفي قول عائشة : حتى أني لأقول : أقرأ بأم القرآن أم لا ؟ ذلك على التخفيف ، ودليل على أن لا يزاد فيهما على فاتحة الكتاب هو المستحب عند مالك وأكثر العلماء .

6890 - وفي قول عائشة : أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا ؟ دليل على أن قراءته فيهما كانت سواء .

6891 - وهو قول مالك ، والشافعي ، وطائفة من أهل المدينة .

6892 - ومن أهل العلم من يقول : يجهر بما يقرأ فيهما .

6893 - وأصبح من قال فيهما ب " قل هو الله أحد " و " قل ياأيها الكافرون " .

6894 - واستدل في " تهذيب الآثار " من ذلك تخريجها على الإباحة ; فمن شاء أسر فيهما ، ومن شاء جهر ، ومن شاء اقتصر على فاتحة الكتاب في كل واحدة منهما ، ومن شاء قرأ معها : " قل ياأيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " 6895 - وفيه دليل أيضا على أن قراءة أم القرآن لا بد منها في كل صلاة : نافلة أو فريضة .

6896 - ويشهد لهذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها [ ص: 297 ] بفاتحة الكتاب " .

6897 - وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام " .

6898 - وقد روي عن النبي أنه كان يقرأ فيهما ب : " قل هو الله أحد " و " قل ياأيها الكافرون " من حديث عائشة ، وحديث ابن عمر ، وحديث ابن مسعود .

[ ص: 298 ] 6899 - وهي كلها صحاح ثابتة قد ذكرتها بطرقها في " التمهيد " والحمد لله .

6900 - وروي من حديث ابن عباس ، عن النبي أنه كان كثيرا ما يقرأ في ركعتي الفجر : " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا " الآية ( البقرة : 136 ) في الركعة الأولى ، ويقرأ في الثانية : " آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " ( آل عمران : 52 ( 6901 - وهذا كله محمول عندنا على أن ذلك مع فاتحة الكتاب لما وصفنا .

6902 - وأما أقاويل الفقهاء فيما يقرأ به في ركعتي الفجر .

[ ص: 299 ] 6903 - فقال مالك : أما أنا فلا أزيد فيها على أم القرآن في كل ركعة لحديث عائشة . رواه ابن القاسم عنه .

6904 - وقال ابن وهب عنه : لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن .

6905 - وقال الشافعي : يخفف فيهما ولا بأس أن يقرأ مع أم القرآن سورة قصيرة .

6906 - وروى ابن القاسم ، عن مالك أيضا مثله .

6907 - وروى البويطي عن الشافعي أنه قال : أحب أن يقرأ المصلي في ركعتي الفجر مع فاتحة الكتاب : " قل هو الله أحد " و " قل ياأيها الكافرون " .

6908 - وقال الثوري : يخفف فإن شيء من حزبه فلا بأس أن يقرأه فيهما ويطول .

6909 - وقال أبو حنيفة : ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبي من القرآن .

6910 - وهو مذهب أصحابه .

6911 - قال أبو عمر : السنة في هذا الباب ما قاله مالك والشافعي ، والله الموفق للصواب .

6912 - حدثنا خلف بن سعيد ، وسعيد بن سيد ، وعبد الله بن محمد بن يوسف ، قالوا : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي ، قال : أخبرنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، قال : حدثنا عون بن يوسف ، قال : حدثنا علي بن زياد ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عائشة ، قالت : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعتين قبل صلاة الفجر فقرأ فيهما : " قل هو الله أحد " و " قل ياأيها الكافرون " .

6913 - قال أحمد بن خالد : بهذا آخذ .

[ ص: 300 ] 6914 - قال أبو عمر : في مراعاة العلماء من الصحابة ومن بعدهم ، واهتبالهم بركعتي الفجر وتخفيفهما ، وما يقرأ فيهما مع مواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهما ، دليل على أنهما من مؤكدات السنن .

6915 - وعلى ما ذكرت لك جمهور الفقهاء إلا أن من أصحابنا من يأبى أن يسميها سنة ، ويقول : هما من الرغائب وليستا سنة .

6916 - وهذا لا وجه له ومعلوم أن أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها سنة يحمد الاقتداء به فيها ، إلا أن يقول - صلى الله عليه وسلم - : إن ذلك خصوص لي . وإنما يعرف من سنته المؤكدة منها من غير المؤكد بمواظبته عليها وندب أمته إليها ، وهذا كله موجود محفوظ عنه في ركعتي الفجر .

6917 - وقد قال أشهب بن عبد العزيز ، وعلي بن زياد : ركعتا الفجر سنة مسنونة .

6918 - وهو قول الشافعي ، وإسحاق ، وأحمد بن حنبل ، وأبي ثور ، وداود ، وجماعة أهل العلم فيما علمت .

6919 - وروى عبيد بن عمير ، عن عائشة ، قالت : ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح .

6920 - ومعلوم أن كل ما ليس بفريضة فهو نافلة .

6921 - ومن النوافل ما هو سنة بمواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

6922 - وقد استدل بعض أهل العلم على تأكيد ركعتي الفجر في السنن بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاهما بعد طلوع الشمس يوم نام عن الصلاة كما قضى الفريضة . ولم يأت عنه أنه قضى شيئا من السنن بعد خروج وقتهما غيرهما .

[ ص: 301 ] 6923 - وفي حديث عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى غنيمة .

6924 - وروى سعد بن هشام ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " .

6925 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في " التمهيد " .

6926 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أما ما لم يدعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحا ولا مريضا ولا في سفر ولا في حضر فركعتا الفجر .

6927 - وروى أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله عز وجل : " ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم " ( سورة ق : 40 ) [ ص: 302 ] قال : " الركعتان قبل الغداة " .

6928 - وروى حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، قال : إدبار النجوم الركعتان بعد طلوع الفجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية