الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
292 262 - وأما حديثه في هذا الباب عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد [ ص: 323 ] العشاء " .


[ ص: 324 ] 7025 - فقد احتج به من أهل الظاهر الموجبون لصلاة الجماعة فرضا - داود وأصحابه .

7026 - وقد مضى القول عليه في ذلك بما يكفي ، والحمد لله .

7027 - وقد اختلف العلماء في الصلاة التي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحراق بيوت المتخلفين عنها .

7028 - فقال أهل الظاهر : هي كل صلاة على ما قدمنا عنهم .

7029 - وقال آخرون : هي صلاة العشاء .

7030 - وحجتهم ما حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن عجلان مولى المشمعل ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء أو لأحرقن عليهم بيوتهم ، أو حول بيوتهم بحزم الحطب " .

7031 - ويشهد لذلك أيضا حديث مالك هذا عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله فيه : " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء " .

7032 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عطاء الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كانت الصلاة التي أراد النبي أن يحرق على من تخلف عنها - صلاة العشاء .

7033 - قال وحدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، [ ص: 325 ] عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " هي العشاء ، أو الفجر " .

7034 - هكذا رواه مرفوعا على الشك .

7035 - وقال آخرون : بل هي صلاة الجمعة .

7036 - قال أبو بكر : حدثنا الفضل بن دكين ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي قال : " هي الجمعة " .

7037 - هكذا ذكر أيضا مرفوعا .

7038 - قال : وحدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، قال : كانت الصلاة التي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحرق على من تخلف عنها - الجمعة .

7039 - حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا كثير ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم أخرج بفتياني معهم حزم الحطب ، فأحرق على قوم بيوتهم ، يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة " .

7040 - وسئل يزيد بن الأصم : أفي الجمعة هذا أم في غيرها ؟ فقال : ما سمعت أبا هريرة ذكر جمعة ولا غيرها .

7041 - وقد قال يحيى بن معين : إن الحديث في الإحراق على من تخلف عن الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم - بيوتهم هو في الجمعة لا في غيرها .

7042 - احتج بما حدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا الفضل بن دكين عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، سمعه منه ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : " لقد هممت أن آمر [ ص: 326 ] رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم .

7043 - ورواه معمر ، عن أبي إسحاق بإسناده مثله .

7044 - وقد روي عن ابن مسعود من وجوه ذكرتها في " التمهيد " أنه قال : عليكم بالصلوات الخمس حيث ينادى بهن ; فإنهن من سنن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، ولقد عهدتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه .

7045 - قال أبو عمر : معلوم أنه لا يتخلف عن الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير عذر إلا منافق صحيح النفاق .

7046 - وفي قول ابن مسعود في الصلوات الخمس في جماعة أنها من سنن نبيكم ، مع روايته حديث الإحراق عليهم في الجمعة ، دليل واضح أن الجمعة فريضة وأن شهود الجماعة في غيرها سنة من مؤكدات السنن يخشى على التارك لها رغبة عنها ، حتى لا تقوم في المساجد جماعة الضلال ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه .

7047 - وفرض الجمعة على من وجبت عليه لا يحتاج فيه إلى دليل .

7048 - ومما يوضح لك سقوط فرض الجماعة ، وأنها سنة وفضيلة لا فريضة قوله : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء " .

[ ص: 327 ] 7049 - رواه ابن عمر ، وعائشة ، وأنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ثابتة صحيحة .

7050 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

7051 - ومثله الرخصة لآكل الثوم في التخلف عن الجماعة .

7052 - وقد مضى ذلك في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله .

7053 - وفيه الرخصة في التأخر عن شهود الجماعة لعذر العشاء .

7054 - وأما الوعيد منه في إحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة معه فهو كسائر الوعيد في الكتاب والسنة ، وليس من لم ينفذه مخلفا ، ولكنه محسن ذو عفو محمود على ذلك ، وليس مخلف الوعد كذلك .

7055 - وقد بينا هذا المعنى في موضعه على أنه لم يكن يتخلف عنه [ ص: 328 ] إلا متهم بالنفاق كما قال ابن مسعود .

7056 - وقد استدل من أجاز عقوبة العاصي في المال بهذا الحديث .

7057 - وللعقوبة في المال موضع من كتابنا هذا ، وبالله تعالى التوفيق .

7058 - وأما ضربه المثل بالعظم السمين والمرماتين الحسنتين فإنه أراد الشيء الحقير والنذر اليسير ، يقول : لو علم أحدهم - يعني المنافقين المتخلفين عنه - أنه يجد في المسجد أقل شيء من عرض الدنيا لجاءه .

7059 - وأما المرماتان فقيل : هما السهمان ، وقيل : هما حديدتان من حديد كانوا يلعبون بهما ، وهي ملس كالأسنة كانوا يثبتونهما في الأكوام والأعراض ، ويقال لهم فيما زعم بعضهم : المداحي .

7060 - وقال أبو عبيد : يقال إن المرماتين ما بين ظلفي الشاة .

7061 - قال : وهذا حرف لا أدري ما هو ولا ما وجهه إلا أن هذا تفسيره .

7062 - ويروى المرماتين بفتح الميم وكسرها ، وأحدها مرماة مثل : مدحاة ، ومذكاة .

7063 - ذكر ذلك الأخفش وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية