الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
299 270 - 271 - وذكر مالك في هذا الباب أيضا . عن نافع ، عن ابن عمر ، وعن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب - بمعنى واحد - أن سائلا سأل كل واحد منهما قال له : إنه يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس يصلون ، أيصلي معهم ؟ فقالا : نعم . قال السائل : فأيتهما أجعل صلاتي ؟ فقالا : ذلك إلى الله تعالى يجعلها أيتهما شاء .


2743 - ذكر أصحاب مالك عن مالك أن هذا مذهبه لا يدري أي الصلاتين فريضة ولا أيتهما هي النافلة ، وإنما ذلك إلى الله يجعلها أيتهما شاء .

7244 - هذه جملة حكاها أصحابه عنه لم يختلفوا عنه في ذلك ، واختلفوا عنه في مسائل تدل على المراد من ذلك ، واختلفت أجوبة أصحابه في تلك المسائل .

7245 - منها : الرجل يحدث في الثانية مع الإمام .

7246 - ومنها : أن يذكر أن الأولى كانت على غير وضوء .

7247 - ومنها : أن يسقط من إحداهما سجدة ناسيا ولا يدري من أيتها أسقطها بما ذكرناه في كتاب اختلاف مالك وأصحابه .

7248 - والذي يتحصل عليه مذهبه عندي ما ذكره ابن وهب في موطئه عن [ ص: 363 ] مالك ، قال : قال مالك : من أحدث في صلاته مع الإمام فصلاته في بيته هي صلاته .

7249 - وقد روى ابن أبي ذئب ، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة ، قال : سألت عبد الله بن عمر عن رجل صلى العصر ثم أعادها في جماعة : أيتهما المكتوبة ؟ قال : الأولى .

7250 - وهذه رواية عن ابن عمر ظاهرها مخالف لما ذكره مالك عنه في " الموطأ " في قوله : ذلك إلى الله ; لأنه في رواية ابن أبي ذئب قطع بأن الأولى هي المكتوبة والثانية نافلة .

7251 - وفي رواية مالك شك ، فلم يدر أيتهما صلاته ، إلا أنه ممكن أن تكون الأولى ، وممكن أن تكون الثانية .

7252 - والنظر عندي يوجب أن تكون رواية مالك متقدمة ، لأنه لم يبن له حينئذ أيتهما صلاته ، ثم بان له بعد أن الأولى صلاته ، فانصرف من شكه إلى يقين علمه ومحال أن ينصرف من يقينه إلى شك . فدل ذلك على أن قوله : الأولى هي المكتوبة قد بان له فأفتى به .

7253 - فإن قيل : كيف يكون عنده الأولى المكتوبة والثانية نافلة في العصر ولا نافلة بعد العصر ؟

7254 - قيل : معلوم عن ابن عمر أن التنفل بعد العصر جائز عنده ، ومذهبه أن العصر والظهر والعشاء تعاد عنده دون المغرب والصبح لمن صلى وحده .

7255 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الروايات عن ابن عمر في ذلك [ ص: 364 ] بالأسانيد .

7256 - واختلف في ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب كما اختلف عن ابن عمر .

7257 - فروى همام ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : إذا صليت وحدي ثم أدركت الجماعة ؟ فقال : أعد ، غير أنك إذا أعدت المغرب فاشفع بركعة واجعل صلاتك وحدك تطوعا .

7258 - قال أبو عمر : هذا شيء لا يعرف وجهه كيف يشفع المغرب بركعة وتكون الأولى تطوعا ، وقد أجمع العلماء على أن المغرب إذا نوى بها الفريضة لم يشفعها بركعة .

7259 - وما أظن الحديث ، والله أعلم - إلا والأولى فرضه ، فإن صح ما ذكرناه عنه فهو وهم من قتادة أو ممن دونه في الإسناد .

7260 - وقد ذكرنا الإسناد في " التمهيد " .

7261 - وقد كان جماعة من العلماء يضعفون أشياء من حديث قتادة ، عن سعيد بن المسيب .

[ ص: 365 ] 7262 - وأما قول ابن عمر ، وسعيد : ذلك إلى الله فقد تأول فيه قوم منهم ابن الماجشون وغيره ، أن ذلك في القبول كأنه قال : أيتهما يتقبل الله مني ، فقالا له : ذلك إلى الله . لأنه قد يتقبل النافلة دون الفريضة ويتقبل الفريضة دون النافلة على حسب النية في ذلك والإخلاص ، مع أنه تعالى يتفضل على من يشاء من عباده بما شاء من رحمته .

7263 - وعلى هذا التأويل لا يتدافع قول من قال : إن الفريضة هي الأولى ، مع قوله : ذلك إلى الله تعالى .

7263 م - وقد أجمع مالك وأصحابه على أن من صلى في بيته وحده أنه لا يؤم في تلك الصلاة غيره .

7264 - وهذا يوضح لك أن الأولى هي عندهم الفريضة ، على هذا جماعة أهل العلم .

7265 - حتى لقد قال إبراهيم النخعي : من صلى صلاة وحده وقصد بذلك أداء فرضه ، وكتبت الملائكة الحفظة ذلك لم يستطع أحد أن يرده إلى نافلة أو نحو ذلك ، هذا معنى قوله .

7266 - واختارت طائفة من أصحاب مالك أن تكون الثانية فرضه ; لأنها صلاة جماعة ويأمرونه ألا يدخل مع الإمام إلا بنية الفرض .

7267 - وتأولوا في قوله للذين أمرهم أن يعيدوا الصلاة مع الإمام : " فإنها لكم نافلة " قالوا : نافلة هاهنا بمعنى فضيلة .

7268 - واحتجوا بقول الله عز وجل : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة " ( الأنبياء : 72 ) أي : فضيلة .

7269 - وكذلك تأولوا في قول الله تعالى : " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " ( الإسراء : 79 ) أي : فضيلة .

[ ص: 366 ] 7270 - قالوا : وإنما لم يؤم في تلك الصلاة أحدا ; لأنا لا ندري أي الصلاتين صلاته حقيقة ، فاحتطنا ألا يؤم أحدا خوفا من أن تكون الثانية تطوعا ، فيأتم به فيها من هي فريضته .

التالي السابق


الخدمات العلمية