الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
303 [ ص: 368 ] باب العمل في صلاة الجماعة

273 - ذكر فيه مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ; فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " .


[ ص: 369 ] 7278 - في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بذلك .

7279 - ولا يجوز لهم التطويل ; لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيا عن التطويل .

7280 - وقد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف ، وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة ، لأنه - وإن علم قوة من خلفه - فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم .

7281 - ولذلك قال : " فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره .

7282 - وقد يحدث للظاهر القوة ، ومن يعرف منه الحرص على طول الصلاة حادث من شغل ، وعارض من حاجة ، وآفة من حدث بول أو غيره .

7283 - فينبغي لكل إمام أن يخفف جهده إذا أكمل الركوع والسجود .

7284 - قال أنس بن مالك : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس كلهم صلاة في تمام " .

[ ص: 370 ] 7285 - ولحديث أنس هذا طرق كثيرة ، وقد ذكرت بعضها في " التمهيد " .

7286 - ومن التمام ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نقر الغراب .

[ ص: 371 ] 7287 - وقال : " اعتدلوا في ركوعكم وسجودكم " .

7288 - ونظر إلى رجل لم يتم ركوعه ولا سجوده فقال له : " ارجع فصل فإنك لم تصل " .

[ ص: 372 ] 7289 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده " .

7290 - وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تجزئ صلاة امرئ لا يقيم فيها صلبه في ركوعه وسجوده .

7291 - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في " التمهيد " .

7291 م - وقد أنكر العلماء على أبي حنيفة فيمن صار من الركوع إلى السجود ولم يرفع رأسه أنه يجزئه ، وقالوا : هذا قول مخالف للسنة ولعلماء الأمة .

[ ص: 373 ] 7292 - حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد ، عن شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اعتدلوا في الركوع والسجود " .

7293 - وروى عبد الحكم ، عن أنس ، عن النبي : " اعتدلوا في الركوع والسجود " .

7294 - حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوراث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثني عبد الحكم ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اعتدلوا في الركوع والسجود ، والله إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي " .

7295 - وقد قال ابن القاسم : من رفع رأسه من السجود فلم يعتدل جالسا أو من الركوع فلم يعتدل قائما حتى سجد ، أو حتى خر راكعا ، فليستغفر الله ولا يعد ، ولا شيء عليه في صلاته .

[ ص: 374 ] 7296 - وهذا مضارع لقول أبي حنيفة ، إلا أن ابن القاسم قال : من لم يرفع رأسه من الركوع فلا يعتد بتلك الركعة .

7297 - وهو قول مالك أنه قال : من لم يرفع رأسه ويعتدل في ركوعه وسجوده ، ويقم في ذلك صلبه لم تجزئه صلاته .

7298 - وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار ، منهم : أبو يوسف ، ومحمد ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والطبري .

7299 - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك في ترك الاعتدال رخصة ، فقال عنه : إذا رفع الإمام رأسه من الركوع ولم يعتدل قائما ثم أهوى ساجدا قبل أن يعتدل ، فإنه تجزئه صلاته .

7300 - والقول بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقاه الجمهور بالقبول - أولى من كل ما خالفه ، وبالله التوفيق .

7301 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو حفص بن عمر النمري ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي مسعود البدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " .

7302 - وقد تقدم في هذا الكتاب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة ، وقال له : " ارجع فصل فإنك لم تصل " .

7303 - وكذلك فعل حذيفة بن اليماني برجل رآه لم يتم ركوعه وسجوده ، وقال له : لو مت على هذا مت على غير ملة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

7304 - وعلى هذا جماعة أهل العلم فيمن لم يقم صلبه من ركوعه وسجوده .

[ ص: 375 ] 7305 - إلا أن ما بعد قيام الصلب والاعتدال عندهم من الطمأنينة والمكث قليلا ليس من الواجب ولكنه من الكمال .

7306 - وكذلك العمل عندهم في الأئمة والتخفيف على ما وصفنا لا يختلفون في ذلك لما وصفنا من الآفات والضعف والحاجات .

7307 - ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، وأبي مسعود الأنصاري ، وعثمان بن أبي العاص أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " من أم الناس فليخفف ; فإن فيهم السقيم والكبير وذا الحاجة " .

7308 - هذا معنى حديثهم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في " التمهيد " .

7309 - وروى أبو قتادة الأنصاري عن النبي أنه قال : " إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن أفتن أمه " .

7310 - وروى أبو هريرة وأنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى حديث أبي قتادة .

7311 - وروى جابر عن النبي أنه قال لمعاذ - إذ شكاه بعض قومه أنه [ ص: 376 ] يطول بهم - : " أفتان أنت يا معاذ ، اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ونحوها " .

7312 - وقد ذكرنا ذلك كله في مواضع من " التمهيد " والحمد لله .

7313 - قرأت على أبي القاسم ، أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عجلان ، قال : حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج ، قال : حدثني معمر بن أبي حيية ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : [ ص: 377 ] أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده ، فقال قائل منهم : وكيف ؟ قال : يكون الرجل إماما للناس يصلي بهم فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية