الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
312 282 - والثاني : حديثه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الليل قاعدا قط ، حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع ، قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع .


[ ص: 412 ] 7473 - والمعنى في هذا الحديث نحو المعنى في الذي قبله ، إلا أن في هذا رد قول من قال : لا يكون المصلي في بعض صلاته قاعدا وفي بعضها قائما .

7474 - والذي عليه جمهور العلماء فيمن افتتح صلاة النافلة قاعدا أنه لا بأس أن يقوم فيها ويقرأ بما أحب على ما في الحديث وما كان مثله .

7475 - واختلفوا فيمن افتتحها قائما ثم قعد .

7476 - فقال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي : ويجوز أن يقعد فيها كما يجوز له أن يفتتحها قاعدا .

7477 - وقال الحسن بن حي ، وأبو يوسف ، ومحمد : " يصلي قائما ولا يجلس إلا من ضرورة ; لأنه افتتحها قائما " .

7478 - وقال ابن جريج : قلت لعطاء : افتتحت الصلاة قائما فركعت ركعة وسجدت ثم قمت ، أفأجلس إن شئت بغير ركوع ولا سجود ؟ قال : " لا " .

7479 - وهذا يدل من قول عطاء أنه من صلى ركعة بسجدتيها قائما ، كان له أن يقعد في الثانية ما لم يقف فيها ، فإن قام فيها لم يجلس كما قال أبو يوسف .

7480 - فأما المريض فقال أبو القاسم في المريض : يصلي مضطجعا أو [ ص: 413 ] قاعدا ثم يخفف عنه المرض ويجد القوة أنه يقوم فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى منها .

7481 - وهو قول الشافعي ، وزفر ، والطبري .

7482 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فيمن صلى مضطجعا ركعة ثم إنه يستقبل الصلاة من أولها ولو كان قاعدا يركع ويسجد .

7483 - ثم صح بنى في قول أبي حنيفة ، ولم يبن في قول محمد .

7484 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا افتتح الصلاة قائما ثم صار إلى حال الإيماء يبني .

7485 - وروي عن أبي يوسف أنه يستقبل .

7486 - وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع الركوع ولا السجود وهو يستطيع القيام والجلوس : أنه يصلي قائما ويومئ إلى الركوع ، فإذا أراد السجود جلس فأومأ إلى السجود .

7487 - وهو قول أبي يوسف وقياس قول الشافعي .

7488 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : يصلي قاعدا .

7489 - وقال مالك وأبو حنيفة ، وأصحابهما : إذا صلى مضطجعا تكون رجلاه ما يلي القبلة مستقبل القبلة .

7490 - وقال الشافعي والثوري : يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة .

7491 - وجائز ذلك أيضا عند مالك .

7492 - وأما اختلاف العلماء في كيفية صلاة القاعد في النافلة وصلاة المريض .

7493 - فذكر ابن عبد الحكم عن مالك في المريض أنه يتربع في قيامه وركوعه ، فإذا أراد السجود تهيأ للسجود فيسجد على قدر ما يطيق ، وكذلك المتنفل قاعدا .

[ ص: 414 ] 7494 - وقال الثوري : يتربع في حال القراءة والركوع ، ويثني رجليه في حال السجود فيسجد .

7495 - وهذا نحو مذهب مالك أيضا ، وكذلك قال الليث .

7496 - وقال الشافعي : يجلس المتنفل في صلاته كلها كجلوس التشهد .

7497 - هذه رواية المزني عنه .

7498 - وقال البويطي عنه : يصلي متربعا في موضع القيام .

7499 - وقال أبو حنيفة ، وزفر : يجلس كجلوس الصلاة في التشهد ، وكذلك يركع ويسجد .

7500 - وقال أبو يوسف ومحمد : يكون متربعا في حال القيام وحال الركوع .

7501 - وقد روي عن أبي يوسف أنه يتربع في حال القيام ، ويكون في حال ركوعه وسجوده كجلوس التشهد .

7502 - وكل هذه الأقوال قد رويت عن السلف من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين - رحمهم الله - وذكرتها في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية