الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
315 [ ص: 417 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما باب الصلاة الوسطى

285 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين ، أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا . . . وذكر الحديث ، وفيه : فأملت علي : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين - قالت عائشة : سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 418 ] 286 - وعن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ، أنه قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة - أم المؤمنين رضي الله عنها - بمثل معناه ، قال : قالت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) .


7511 - ولم يرفع حديث حفصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم .

7512 - وفي هذا الحديث دليل على صحة مذهب من ذهب إلى أن القرآن نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم .

7513 - ومن قال بهذا يقول : إن النسخ على ثلاثة أوجه في القرآن .

7514 - أحدها : نسخ الخط والتلاوة والرسم مبينا ، ولا يعرف ولا يقرأ إلا أنه ربما رويت منه أشياء على سبيل الرواية لا يقطع شيء منها على الله تعالى .

7515 - وذلك نحو ما جاء في الحديث أنه كان يقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم .

7516 - وقوله : لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .

[ ص: 419 ] 7517 - ومنها أيضا قوله : بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا .

7518 - وهذا من حديث مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، أنه قال : أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ، ثم نسخ بعد : بلغوا قومنا . . وذكره .

7519 - ومنها قول عائشة : كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات ثم نسخت بخمس معلومات .

[ ص: 420 ] 7520 - ومن هذا قول من قال : إن سورة الأحزاب كانت نحوا من سورة البقرة والأعراف .

7521 - وقد روى مالك عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، وعمرو بن دينار .

7522 - وقد ذكرنا ذلك بالأسانيد عنهم في " التمهيد " واتسعنا هذا المعنى هناك والحمد لله .

7523 - والوجه الثاني : أن ينسخ خطه ويبقى حكمه نحو قول عمر بن الخطاب : قد قرأنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . . . الحديث على ما ذكر في " التمهيد " وغيره .

7524 - ومن هذا قوله : " وصلاة العصر عند من ذهب إلى هذا " .

7525 - والوجه الثالث : أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف ، وهذا كثير نحو قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ( البقرة : 240 ) نسختها " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ( البقرة : 234 ) وهو من الناسخ والمنسوخ والمجتمع عليه .

7526 - وقد أنكر قوم أن يكون قوله : وصلاة العصر من باب الناسخ [ ص: 421 ] والمنسوخ ، وقالوا : إنما هو من معنى السبعة أحرف التي أنزل القرآن عليها ، وخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها وقال - صلى الله عليه وسلم - : " كلها أنزلت " فاختار الصحابة في زمن عثمان لما خافوا على من دخل في الدين من سائر الناس غير العرب أن يلحنوا فيه فجمعوا الناس عليه ، وهو حرف زيد بن ثابت .

7527 - وسنبين ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

7528 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " .

7529 - فمن الأحرف السبعة التي هي في معنى : وصلاة العصر : قراءة عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود : " فامضوا إلى ذكر الله " .

7530 - وقراءة ابن مسعود : " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " .

7531 - وقراءة أبي بن كعب وابن عباس : و " أما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين " .

7532 - وقراءة ابن مسعود : " فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " .

7533 - ومثل هذا كثير قد جمعه جماعة من علماء هذا الشأن .

7534 - وقد أنكر آخرون أن يكون شيء من القرآن إلا ما بين [ ص: 422 ] لوحي مصحف عثمان بن عفان " .

7535 - وقد ذكرنا أقوالهم ووجوهها في " التمهيد " .

7536 - وفي هذا الحديث دليل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر ; لقوله فيه : وصلاة العصر .

7537 - وهذه الواو تسمى الفاصلة ; لأنها فصلت بين الصلاة الوسطى وبين صلاة العصر .

7538 - وقد ذكرنا حديث حفصة مرفوعا إلى النبي حسب حديث عائشة في ذلك في " التمهيد " من طرق .

7539 - وقد رواه حماد بن زيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن حفصة ، قال نافع : فرأيت الواو فيها .

7540 - على أنه قد روي أيضا في حديث حفصة : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر . بلا واو .

7541 - وقد ذكر أيضا في " التمهيد " .

7542 - ولم يختلف في حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما [ ص: 423 ] الاختلاف في حديث حفصة ، وفي رفعه ، وفي ثبوت الواو فيه .

7543 - وقد قال بعض من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى صلاة العصر : دخول الواو في قوله تعالى : " صلاة العصر " ، وخروجها وسقوطها منه وثبوتها فيه سواء ، المعنى فيه حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر .

7544 - واحتج في ذلك برواية من رواها كذلك : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر .

7545 - وقد ذكرنا الرواية بذلك في " التمهيد " .

7546 - واستشهد في ذلك بقول الشاعر : إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة في المزدحم

[ ص: 424 ] 7547 - يريد الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة .

7548 - لأنه إنما أراد هو دون أبيه .

7549 - قال : ومن هذا المعنى قول الله تعالى : " فيهما فاكهة ونخل ورمان " ( سورة الرحمن : الآية 68 ) .

7550 - والمعنى فاكهة : نخل ورمان .

7551 - ومنه أيضا قوله تعالى : " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال " ( سورة البقرة : الآية 98 ) .

7552 - والمعنى : وملائكته جبريل وميكائيل .

7553 - وقد خولف هذا القائل فيما ادعاه .

7554 - ومن هذا المعنى بما قد ذكرناه في غير موضع ، والحمد لله .

7555 - وأما اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى فقالت طائفة : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .

التالي السابق


الخدمات العلمية