الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
330 [ ص: 14 ] 300 - وأما حديث مالك ( الذي ) ذكره في هذا الباب من الموطأ بعد حديثه عن داود بن الحصين ، ذكره عن أبي الزبير المكي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ; أن معاذ بن جبل أخبره ، أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عام تبوك . فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . قال : فأخر الصلاة يوما . ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل . ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا . ثم قال : " إنكم ستأتون غدا ، إن شاء الله ، عين تبوك . وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار . فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي " ، فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان . والعين تبض بشيء من ماء . فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل مسستما من مائها شيئا ؟ " فقالا : نعم . فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما ما شاء الله أن يقول . ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شيء ، ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وجهه ويديه ، ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء كثير . فاستقى الناس . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يوشك ، يا معاذ ، إن طالت بك حياة ، أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا " .

[ ص: 15 ] 301 - مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير ، يجمع بين المغرب والعشاء .


7714 - قال أبو عمر : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير ، بدليل حديث معاذ بن جبل ; لأن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .

7715 - وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجد به السير ، فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ .

[ ص: 16 ] 7716 - وإنما هما حديثان حكى الراوي لكل واحد منهما ( . . . . ) الجمع للمسافر بالصلاتين ، جد به السير أو لم يجد ، ولو تعارض الحديثان لكان الحكم لحديث معاذ ; لأنه أثبت ما نفاه ابن عمر ، وليس للنافي شهادة مع المثبت .

7717 - وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب :

7718 - روى ابن القاسم عن مالك أنه قال : لا يجمع المسافر في حج أو عمرة إلا أن يجد به السير ، أو يخاف فوت أمر ، فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر ، وكذلك في المغرب والعشاء إن ( ارتحل ) عند الزوال ، فيجمع حينئذ في المرحلة بين الظهر والعصر . ولم يذكر في العشائين الجمع عند الرحيل أول الوقت .

7719 - قال سحنون : وهما كالظهر والعصر .

7720 - قال أبو عمر : رواية ابن القاسم هذه تضاهي مذهب الكوفيين في الجمع بين الصلاتين للمسافر ، ورواية أهل المدينة عن مالك بخلاف ذلك .

7721 - قال عبد الملك بن حبيب عن شيوخه : وللمسافر أن يجمع بين الصلاتين ليقطع سفره وإن لم يخف فوات شيء يبادره . 7722 - وذكر أبو الفرج ، عن مالك ، قال : ومن أراد الجمع بين الصلاتين في السفر جمع بينهما ، إن شاء في آخر وقت الأولى منهما ، وأن شاء في آخر وقت الآخرة منهما ، وإن شاء أخر الأولى فصلاها في آخر وقتها وصلى الثانية في أول وقتها .

[ ص: 17 ] 7723 - قال : وذلك كجواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة .

7724 - قال أبو الفرج : وأصل هذا الباب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سافر فقصر وجمع بينهما كذلك ، والجمع أيسر خطبا من القصر ، فوجب الجمع بينهما في الوقت الذي جمع بينهما فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

7725 - قال أبو عمر : الجمع بين الصلاتين بعرفة ثم بالمزدلفة ، أصل مجتمع عليه ، واجب أن يرد كل ما اختلف فيه من معناه إليه .

7726 - ذكر مالك في هذا الباب من " الموطأ "

التالي السابق


الخدمات العلمية